الوطن لا يحتمل أزمة جديدة

الوطن لا يحتمل أزمة جديدة
أ.د انيس الخصاونة

في الوقت الذي سجلت الحكومة الأردنية نجاحات واضحة في احتواء انتشار فيروس كورونا وسط إجراءات كانت مثار احترام محلي ودولي، فإن التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة تشكل التحدي الأكبر والأكثر إيلاما للمواطنين وخصوصا في قطاعات التعليم والتوظيف والتشغيل الذاتي.

قرارات الحكومة في تعطيل العمل كليا أو جزئيا في كثير من القطاعات، رغم نوايا الحكومة الحسنة، ربما كان مصدرها الذعر والمبالغة في التجاوب مع معطيات الأزمة. عدد الإصابات بفيروس كرونا لم يشهد في الأردن أي ارتفاعات باستثناء يوم واحد خلال ذروة الأزمة سجلت فيه من يقارب 40 حالة وما تبقى من أيام الأزمة كان عدد الحالات المسجلة فيها دون 20-25 حالة ،لا بل كان أقل من ذلك في معظم الأيام.

إغلاق القطاعات وكثرة أوامر الدفاع ،وقرارات مجلس الوزراء ،ومجلس التعليم العالي ،ووزارة العمل أدت إلى تعطيل الحياة العامة وترتب على ذلك خسائر اقتصادية تضاربت الآراء حول حجم ما يتكبده الاقتصاد من خسارة في يوم واحد ،إذ قدرها البعض مائة مليون وقدرها آخرون بأكثر من ذلك. المهم في الموضوع أن قرارات تمديد الحكومة لتعطيل القطاعات الإنتاجية كانت مفرطة وتعكس راحة المسؤولين واطمئنانهم إلى ملاءتنا المالية مع أن الخزينة العامة تعاني الكثير ولكن قرارات الحكومة في تأجيل فتح القطاعات كانت تعكس إنفاق من لا يخشى فقر، لنكتشف فيما بعد أن الحكومة كانت معتمدة على جيوب المواطنين لتغطية نفقات أزمة كورونا.

مقالات ذات صلة

ظننا في بدايات الأزمة بأن الحكومة كانت واثقة في مصادر خارجية للتمويل أو أن مصدر راحة الحكومة نابع من وعود دولية أو عربية لتغطية جزئية على الأقل للخسائر التي تكبدها الاقتصاد الأردني جراء هذه الأزمة. انجلت الأمور وتبين أن لا مصادر خارجية للدعم وأن كلفة الأزمة ستغطى من اختصار للنفقات الرأسمالية في الموازنة بنسبة (42%) وعلاوات مالية تم الاتفاق عليها مع نقابة المعلمين بعد سجال وشهور من التوتر ،وتعطيل الدوام في المدارس ،وكذلك علاوات للقوات المسلحة وموظفي القطاع العام، وحجب توزيع أرباح المساهمين في البنوك.

في دول العالم الأخرى يتم ضخ مبالغ هائلة في الاقتصاد لتحفيزه والعمل على تجاوز انعكاسات أزمة كورونا عليه، فمنحت القروض بدون فائدة، وتم خفض الضرائب، وأقرت الإعفاءات للأفراد والشركات ،لا بل تم صرف معونات مالية شهرية للأسر والأفراد المتعطلين ،وقد قامت الحكومة الأردنية مشكورة بتقديم بعض المعونات لعمال المياومة.

القضية التي باتت تقلقنا هي ما يلوح في الأفق من أزمة محتملة بين الحكومة وبعض النقابات وتحديد نقابة المعلمين على وجه الخصوص فهل يحتمل الوطن تكرار أزمة مواجهة جديدة مع المعلمين ونقابتهم في الوقت الذي نستعد فيه لاستقبال عام دراسي جديد؟
وهل تقدر الحكومة أو تستشرف على الأقل إمكانية حدوث مثل هذه الأزمة علما بأن بوادر التسخين يمكن ملاحظتها من خلال تصريحات ساخنة ومتعددة من طرف نقابة المعلمين؟ وهل تدرك الحكومة أن مطالبة المعلمين بعلاواتهم ومكتسباتهم التي احتصلوا عليها نتيجة شد ورخي وتفاوض دام أكثر من شهرين يمكن أن يتم غض النظر عنها والتضحية بها من قبل العاملين في قطاع التعليم؟ وهل تدرك الحكومة أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الأردنيون يمكن أن تهيئ ظروفا لمطالبات مماثلة من نقابات وقطاعات أخرى في المجتمع؟

آخر ما يحتاجه وطننا العزيز هو مواجهات وأزمات جديدة يمكن أن تعرض اقتصادنا واستقراره للتعثر ومواجهة تحديات اقتصادية وتداعيات سياسية جديدة تعكر استمرارية العمل وتضحي بإنجازات الحكومة في المجال الصحي وتجاوز أزمة كورونا.

علاوات المعلمين والموظفين التي تم تجميدها بموجب أوامر الدفاع وقرارات مجلس الوزراء لا هي تكفي لإنقاذ اقتصادنا ولا أن منحها أو صرفها يقضي على الاقتصاد. نعتقد بأن على الحكومة أن تفكر مليا في وضع جدول زمني أولا لإلغاء أوامر الدفاع بعد استقرار عدد الإصابات والسيطرة على الوباء، وثانيا أن تبدأ الحكومة جديا في التفكير بصرف علاوات المعلمين المتفق عليها والبحث عن مصادر تمويلها.

لسان حال المعلمين والموظفين والمواطنين بشكل عام يقول بأن على الحكومات أن تحل مشاكلهم وتعطيهم حقوقهم التي تؤثر على مستويات معيشتهم لا أن يقوم المعلمين والموظفين بحل مشاكل الحكومة وتمويل قراراتها في وقت يتراجع فيه مستوى رضا الأردنيين وثقتهم بالحكومة وعدد معتبر من وزرائها.

استشراف الأزمات واتخاذ الإجراءات الاستباقية لها قبل حدوثها هو من أبرز مهام الحكومة وواجباتها وعليه فإننا ندعو حكومة الدكتور عمر الرزاز أن تأخذ التصريحات الساخنة لنقابة المعلمين ومطالب المعلمين والموظفين بعلاواتهم على محمل الجد حتى نتجنب حدوث أزمات أخرى ونحول دون مواجهة تحديات جديدة الوطن بغنى عنها…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى