متلازمة الرشاوى وانهيار الأمم / آلاء العامري

الدول لا تنهار بالحروب
الدول لا تنهار بالحروب ؛ فهنالك العديد من الدول التي استطاعت أن تنهض بقوة بعد حروب أهلية- كإندونيسيا، أو نووية- كاليابان، أو عالمية- كألمانيا. إنما الدول تنهار بانحطاط أخلاق شعوبها وانهيار المنظومة الأخلاقية فيها.

لست أدري إن كان ابن خلدون تحدّث عن ذلك في مقدمته الشهيرة، لكني أود أن أذكر ما يجول في خاطري هذه الأيام.

فحيث أن الكذب مفتاح الآفات الأخلاقية، فإن ظهور آفات أخلاقية متقدّمة تعني بالضرورة وجود غيرها بشكل متزامن بل ومتقدّم أيضاً.

ظهرت وتظهر في الآونة الأخيرة في المؤسسات الحكومية في الأردن ظاهرة بدأت بالانكشاف تدريجياً إلى أن أصبح وجودها شيء محتوم في معظم المعاملات. بتنا نجد الموظف يبيح الرشاوى بدوافع مختلفة وتحت مسميات ترغّب بها.. فنجد أن المعاملة قد تعقدت، على أمل أن يستجدي المواطن بأية وسيلة لحلها فيقع المحظور وتُستمرأ الرشوة بحجة تيسير المعاملة.

مقالات ذات صلة

ما يبدو للعيان أن الرشاوى اكتسحت جميع المستويات، مع احترامنا للموظفين الشرفاء الذين آثروا الرزق الحسن اليسير، فنجدها لدى المسؤولين الكبار، ثم الوسط، ثم الموظفين الصغار، ثم الفراشين والمراسلين بحجة تسيير المعاملات والدخول كوساطة بينك وبين المسؤولين!

إن هذه الظاهرة، وإن كان هنالك الأهم منها في المجتمع، من أخطر الآفات الأخلاقية في أي دولة، فحيث وجدت علينا أن ندرك تماماً أن المواطن لم يصل لهذه الدرجة إلا بعد عدة تنازلات أخلاقية وعلى عدة مستويات، أضحى فيها الكذب بريئا! وحيث وجدت علينا أن نعلم أنها بداية النهاية.

قصص الرشاوى تذكّرنا بماضٍ قريب لدولة شقيقة كانت موبوءة بهذا المرض للنخاغ. فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع بقصص الرشاوى في إحدى الدول المجاورة في عهد سابق. وقد استفحل الأمر ليصل لجميع طبقات المجتمع وجميع طبقات الموظفين والمسؤولين، فأصبح من لا يرتشي بالضرورة هو راشٍ لا محالة! والواقع أن الوصول لهذه الجريمة الأخلاقية والسكوت والتغاضي عنها في ذلك المجتمع لم يكن لولا وجود آفات أخلاقية أخرى متزامنة كانت تبدو بسيطة وغير ذات أهمية، لأنها أضحت الواقع والأمر الطبيعي لتلك المجتمعات.. وأصبح منظرها مألوفاً للجميع، تماماً كالرشوة التي تندرت بها المواد الإعلامية الكوميدية آن ذاك..

والآن حين ننظر للخلف ونقيّم ما حدث ويحدث إلى الآن مع ذلك الشعب الشقيق، فإننا نجد أن الأمر أخطر مما يبدو وأعمق، وأصبح الخوف على مستقبل هذا الوطن أمراً لا بد منه مع تفاقم الأزمات الأخلاقية وظواهرها التي لا تنتهي. وإني إن كنت ذكرت الرشوة فهي على سبيل المثال، وربما يكون غيرها أهم، لكنها الأخطر بنظري: فنص الحديث الشريف واضح بلعن الراشي والمرتشي والرائش بينهما، فما بالك بشعب ملعون عن بكرة أبيه؟!

وإني إن كنت أشرت إلى هذا الأمر الجلل فإن الخوف على وطني ومستقبله ما يحركني ويدفعني للتذكير والاستنكار والتوجيه لعل السفينة تغير من مجراها وتنتبه قبل فوات الأوان.

وإني إن كنت ربطت انهيار الأمم بانهيار أخلاقها فإني أنبّه أن الأمر لا ينتظر حرباً ضروساً، وإنما هو زلزال مدمّر، أو “هوشة” شباب أو مشاجرة جامعية، لتصبح فتنة بين عشيرتين، لتصبح حرب شوارع، ولتنتهي بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر؛ لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، ولولا منظومة الأخلاق التي تُبقي الأمم متماسكة.

في الختام أود أن أؤكّد دور الشباب والجيل الجديد في التصدي لهذه الآفة، فحيث أن الحملات المجتمعية للتغيير الإيجابي في المجتمع أُدرِجت من ضمن ثقافة هذا الجيل الواعي، فإني أدعو الناشطين الشباب والغيورين على الوطن منهم بشن حملة قوية تستنكر وتعيّر كل من يدخل في هذه الدوامة، وتطالب بتفعيل قوانين وسن الجديد منها لمحاربتها واجتثاثها عن بكرة أبيها، فالوطن خط أحمر، والاستهتار بمنظومته الأخلاقية جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى