زمن المعجزات

#زمن_المعجزات

م. #أنس_معابرة

على الرغم من المعجزات التي جاء بها الأنبياء لأقوامهم وخرقها للطبيعة واستحالة الاتيان بمثلها؛ فإن الغالبية لم تؤمن ولم تصدق بالنبي وبرسالته، وآثرت المسير على خطى الآباء والأجداد في الضلال على طريق الهدى والايمان.

صحيح أننا لم ندرك نبينا عليه الصلاة والسلام، ولكننا بحمد الله وفضله صدقنا برسالته واتبعناه، وآمنا بالمعجزات التي أتى بها، واعتقدنا أن زمن تلك المعجزات قد انقضى وانتهى بوفاته عليه الصلاة والسلام.

مقالات ذات صلة

اليوم في غزة بإمكانك أن ترى المعجزات تتحقق، وأن الأمور المستحيلة تقوم بها قلة قليلة من البشر، تقف في وجه العالم أجمع، والذي اتفق على ابادتهم بدم بارد.

بإمكانك أن ترى أطفالاً من زالوا يؤمنون بحقهم في الأرض التي طُرد منها أجدادهم وآباء أجدادهم قبل ثمانية قرون، وما زال لديهم اعتقاد حازم وجازم بأنهم سيعودون يوماً إلى ديارهم منتصرين غالبين، بعد أن ينتصروا على الصهاينة المحتلين.

بإمكانك أن ترى الأطفال الذين كانوا يحملون الحجارة في انتفاضات الماضي القريب؛ يحملون اليوم قاذفات الياسين 105 وشواظ وقنابل الهاون والرشاشات الثقيلة، ليقذفوا بها عدو الله وعدوهم على قلب رجل واحد.

إن المستحيل بعينه هو أن يخرج مقاتل بسيط من النفق ليضع على دبابة حديثة متطورة قنبلة لا تتعدى كلفتها مئات الدولارات، ثم يعود أدراجه إلى خندقه ويفجر القنبلة ليحول الدبابة التي تكلف جيش العدو الملايين من الدولارات إلى أشلاء.

بل إن المستحل هو أن تجد جماعة ترزح تحت الحصار منذ عشرات السنوات، بلا معابر حرة الحركة، ولا مطارات أو موانئ، بلا مصانع، أو قدرات مالية، أو تعليمية، أو صحية، ثم تقف بصمود الأبطال أمام هجمة شرسة من عدو لا يخاف الله، ولا يأخذ باعتباره القوانين الدولية والأعراف الحربية، ويتسابق العالم “المتحضّر” الذي يدافع عن حقوق الانسان ليقف إلى جانب العدو الغاشم، وتعمل مصانعهم في الليل والنهار من أجل صناعة الأسلحة وتوريدها اليه، ليرمي بها أهلنا في غزة.

وبعد ثلاثة أشهر من بداية ذلك الهجوم؛ ما زال الأبطال صامدون، وعلى الثغور مرابطون، وبدأت مؤسسات الاحتلال بالتفكك، وبات الجيش عاجزاً عن إيجاد الحلول والانتصار على الأرض، وبدأت الصراعات السياسية تدب بين القوى الصهيونية المحتلة، ونسأل الله أن يجعل بأسهم بينهم شديداً، وأن يكون تدميرهم في تدميرهم بأيديهم.

إذا كنت تعتقد أن زمن المعجزات قد ولىّ؛ فما عليك إلا أن تشاهد مقطع الفيديو الذي نشره الأعداء لذلك المقاتل البطل الذي تقصفه طائرة مسيرة، فلم يستطع المضي في سبيله بعد أن أصابته شظيّة في ظهره، ولما تيقّن أن لحظة الشهادة قد حانت، آثر أن يسلم روحه إلى خالقه وهو ساجد، حيث أقرب ما يكون العبد إلى ربه.

إنني أتابع هؤلاء القوم وكأنهم من كون آخر، لديهم قوة قلب لا نملكها، يودع أحدهم أبنائه الشهداء بقلب صابر محتسب، وتمسح الأم حذاء ابنها الشهيد قبل دفنه وتساعد في حمل نعشه، ويتقبلون التهاني باستشهاد أبناءهم ورجالهم ضد المحتل الصهيوني الزائل.

لم ينقض زمن المعجزات بعد، وما تراه اليوم في فلسطين عموماً وغزة خصوصاً هو جزء بسيط التقطته عدسات الكاميرات، وما خفي من تلك المعجزات أكبر وأكثر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى