نشعر بعدهم
قرب حطام منزلٍ دمرته الحرب تجلس امراةٌ عجوز تنظر في السماء وتدعو لزوجها ولأولادها وكل من فارقها تبكي قليلاً
ثم تبتسم، تمر الايام وهي على حالها ،سألتها :الا تشعرين بالتعب؟؟ فقالت: وهل تركت الحرب لي شيئاً ؟!واشارت بيدها الى الحطام وقالت: كلهم قد رحلوا وتسألني هل أشعر؟!اجل ،كلنا بعد الحرب وبعدهم نشعر وأكملت بصوتٍ حزين :
نشعر بعدهم ان الوقت قد اختفى وان عقارب الساعات تجمدت تماما كمشاعرنا التي اصبحت قطعة كبيره من الثلج و استقرت في قاع اعماقنا لتعذبنا بهم نشعر بعدهم اننا لم نعد نرى الالوان ولربما نراها لكننا لا نميزها فهي لون واحد كلون الحزن الذي يسكننا في بُعدهم نشعر بعدهم باننا نمشي ولا نمشي وندور ولا ندور في دوائر لا نهائية من الدموع ونعود الى نفس المكان الذي حاولنا ان نخرج منه معلنين الفشل نشعر بعدهم بوجع غريب فينا لا ولن يعرف الاطباء دواءه ولا يعرف احد سببه فوحدنا نحن نعلم السبب
بعدهم لا يتغير في ايامنا الا التاريخ حتى الفصول كلها خريف تموت الاوراق وترحل و رغم ان اوراق اخرى تنمو الا ان اوراقنا منذ رحيلهم لم تتجدد مطلقاً
بعدهم تصبح الوجوه واحده والشوارع واحده والايام واحده فالفصل واللون والوقت تلاشى حتى المقاعد فارغه ليتهم رحلوا منا قبل رحيلهم عنا ليتهم يأتون مجددا لاخد ما نسو من حقائب وامتعه داخلنا ويرحلوا ويتركوننا بسلام دون وجع دون الم دون موت يومي بجرعات خفيفه
بعدهم نتمنى كل يوم ان نعيد الزمان الى حيث كنا قبل رحيلهم وقبل ان تسرق الحرب منا كل شيء
بعدهم كل يوم و بصمت ترحل احاسيسنا بنا الى اماكن لا عنوان لها ورغم اننا لم نكتب عنوانا تذهب بنا هناك الى الماضي كانها لا تجيد سوى الطريق اليهم
بعدهم ننتظر الليل بفارغ الصبر كي نستطيع التنفس وكي نستطيع البكاء دون ان يرانا احد وكي نشكو لليل كانه ينصت لاوجاعنا
بعدهم كي نراهم نرسمهم كل ليله ثم نغمض علنا ننام و ونحلم بهم ،فبعدهم يصبح الحلم هو الحياه والحياة كانها الجحيم
بعدهم ننسى كل المشاعر ونصبح صامتين عاقلين حد الملل
بعدهم ندّعي النسيان ونموت كل ليله محاولين النسيان ونستيقظ في الصباح ولا تزال صورتهم في مخيتلنا
بعدهم اصبحنا سجناء الحنين نقاتل الحنين فيقتلنا الحنين
بعدهم نحن جسد بلا روح فالروح خرجت منذ رحيلهم لم ولن تعد.. رحلت تلك العجوز ،رحل اخرون ،واخرون يرحلون
كم هي قاسبةٌ الحرب ،فهي لا تكتفي بمن قتلت وإنما تقتل وبشدةٍ اكثر من ينجون
ليت السلام يغزو كوكب الارض كي يبقى كل شيء ونبقى ويبقون …
بقلم حنين ناجي
