مدرسة ، مستشارية عشائر ، وأشياء أخرى / منصور ضيف الله

مدرسة ، مستشارية عشائر ، وأشياء أخرى

الأمر أشبه بنكتة ، ثمة يافطة تشير إلى لقب دكتور ، مجرد يافطة في مزاد الشهادات ، والتسابق إلى المناصب ، وممارسة السلطة . والسلطة في الشرق تعني القمع ، والتخلص من عقدة الاضطهاد . المنظر في صباح ابو علندا غرائبي ، يقترب من حواف التقزز والقرف ، الدكتور يجيب على كل شيء ، بدون روية ، ودون كياسة ، ودون اعتبار لوعي الآخر أو فهمه ؛ فالوعي مغيب ، او يفترض أن يكون مغيبا ، وهو الشرط الأساس لاستمرار العملية التربوية وتطورها ، ورضاء المسؤول الأعلى ، ودوام الكرسي ؛ الشاهد الوحيد على فقد الأشياء نبلها وبكارتها . ثمة تزييف ، ثمة تخليب ، ثمة ادعاء بالقوة ؛ اصطناع نبرة الصوت ، السلام بحرارة ، التدفق اللغوي ، ومحاولة التساوق بين حركة اللغة والجسد . قصة بعضهم على اتقان الدور ، ولعبه ، فالامر في نهاية المطاف لا يتعدى اللعب ، وتزجية الوقت ، والمحاولات المستميتة لاقناع الاخر بواقعية المشهد وصدقيته . عجائبية المشهد تحاصر المكان ، وتزيده فرجة ، ينتعل الدكتور بابوجا مخرما ، ويحقق الزائر النظر ، أهو نسوي أم رجالي ؟ أثمة حلم يقظة ؟ وهذه الدشداشة تعطي انطباعا باباحية المنظر ، وانكشافه ، ووحشية الغريزة وقهرها . غرفة الإدارة تتدندش بكراكيب مر عليها دهر طويل ، وزهور بلاستيكية عفت عليها الأيام ، وشهادات منحت على عجل تكرس عبقرية إدارية لالقاب مدفوعة الثمن ، وميداليات تتدلى ببلاهة ، وتحدق في فضاء المكان ، وتبكي …. لا البطولة كانت ، ولا الأبطال آتون .

ويناجي الزائر نفسه ، هي غرف الدراويش ، واستكناه الغيوب ، وابتزاز المرهقين في أرواحهم وجيوبهم ، فقط نحتاج بخورا مغاربيا نفاذا كي تكتمل التربوية في زمن المطاوش ، والوزير المنتمي على رأي كولن ولسون !!

يتكثف القرف ، ويمطر دهشة حزينة ، ودمعة على أجيال تضيع تحت وهم التطوير والدعم الأممي . يستنشق هواء نقيا على الرصيف المزدحم بسيارات الكيا والهونداي، يملأ صدره برذاذ النقاء ؛ فالامور نسبية ، وثمة واحة بعيدة يستظل بنخلها ، يقتطف من بلحها ، يرتوى من كرزها ، يسافر اليها ، ويلقي زمامه أمامها.
مستشارية عشائر
على صوت سائق التاكسي يصحو : قيادة البادية وحرس الحدود ، يدفع الأجرة وينتعل كعبيه، يسأله المناوب على الباب عن فلان ، كان السؤال غبيا ، وفي غير محله . يدقق الضيف النظر ، ثمة غياب لا أكثر ، ويبدأ بوصلة تجل مع صاحب الفضول ، بلاهة الأشياء جميلة ! وتقدم التعازي على المراحل الحضارية التي نحتاج . في الردهة الواسعة المتوسطة ، وعلى الحائط المقابل ، يرى صورا كثيرة لمن عبروا المواقع الرسمية ، بينها صورة الوالد ، مبتسما يناظرني، ويعاتبني ، وأنا أعرف عتابك يا أبي ، وأفهمه ، ولن اخونه. صدفة التقي أحدهم : سادخل على المستشار عطوفة …….. ؟ أنت حر ، أكاد أضحك من كل قلبي ، أنت حر ، المفاهيم كما قلنا نسبية ، والحرية مصطلح قابل لإعادة التدوير والتعريف ، كان استقبالا باهتا ، ميتا ، لا روح فيه ، مسافات طويلة جدا تفصل ، سكرة القوة تطل من تجاعيد الوجه ، وسطوة القرار تتدلى من الشفاه المكتنزة . والزائر ضعيف ، حوله الحاجة ولعنتها . أتمترس في المقعد الوثير ، بدون قهوة ، بدون شاي ، بدون أجر في ذات كبد رطبة ، وعطوفته يمارس التجاهل ، يمارس قتل الوقت ، والتاريخ ، استذكر هنا يوم كان جنديا عند الضابط ، ويوم رعاه ، واحتفى به ، وشد من ازره ، فاستوى على سوقه ، واستغلظ . كم انت خائنة أيتها الايام ! وكم نحتاج من الصبر ، وسعة الصدر لتحملك !
وللرواية في نسختها الأصلية بقية !!

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أبدعت ، و ها أنت تضع بصمتك في،الأدب بكل جدارة واقتدار ،لا أظن أنه من كتاب هذا الزمان من يكتب بهذا التمكن والشفافية والإحاطة بفنون البلاغة والكلام ، مبارك هذا العمل المميز،وإلى الأمام.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى