كل مر .. سيمر


(( كل مر .. سيمر ))

قصتي مع الفايروس التاجي (الكورونا)
رحلة مع COVID-19من عام 2020
بقلم: رنا محمد خير عبادي

كنت قبلها منشغلة بالتدريب مع إحدى الشركات الأردنية لتعليم البرمجة للأطفال .. ودراسة كورس برمجي عبر الإنترنت
لم أكن أنتبه لما يدور حولي في تلك الفترة .. فقد كنت أسعى لتحقيق النجاح .. وتطوير مهاراتي
ولم أكن أنتبه للأخبار .. كانت أعداد الإصابات والوفيات تتزايد بشكل متسارع مخيف
والرعب يملأ الجميع من هذا الزائر المجهول القاتل
ثم ذات يوم بدأت أنتبه لما يحدث .. والأخبار التي تبثها القنوات التلفازية
موجة من الذعر تجتاح مواقع الأخبار والمحطات التلفازية
ومواقع التواصل الاجتماعي تضج بالحديث عن زائر مفزع غير مرغوب يدعى ( COVID-19 )
الصين .. ووهان .. الأطباء .. العزل الصحي .. الحظر .. منع التجول .. وإغلاق المدن
إيطاليا .. وتشييع المئات كل يوم وسط الظلمة .. وسيارات تحمل جثث قتلى الكورونا .. تطوف بالمدن الإيطالية ليلا بهدوء وحزن وصمت .. ليودع الإيطاليون أحباءهم من بعيد
ودول أخرى عربية وغير عربية .. تتزايد فيها الإصابات والوفيات
والناس على مواقع التواصل الاجتماعي يتخبطون ما بين آراء واجتهادات وفتاوي واحتمالات ونظريات..
منهم من يقول: ” ما هي الحقيقة؟ ” .. وآخر ” إنها مؤامرة لها أهدافها وأبعادها ” .. وآخرون: ” إنها غضب من الله ” .. والبعض يقول ” إنها تأثيرات شبكة الجيل الخامس ” .. وووووووووووغيرها الكثير الكثير
وتتراوح ردود الأفعال .. ما بين يائس ومصدوم ومؤمن ومذهول وخائف
بعضنا كان خائفا شعر بالقيود تقيد يديه .. لا يدري ماذا يفعل
وبعضنا كان مؤمنا لجأ للصلاة والقرأن .. ولجأ إلى الله لينزل عليه السكينة والهدوء
وبعضنا كان مصدوما .. يتساءل كيف وماذا ومتى؟
كانت أيامنا تمر مابين صعود وهبوط .. ما بين يأس وأمل .. ما بين ثقة وفزع .. ما بين صبر وضعف
توقفنا جميعا غير مستوعبين لما يحدث .. وكل منا يتساءل: ماهي حقيقة الأمر؟!
وبدأنا نعيد حساباتنا ونجدد علاقاتنا .. فوجود الآخرين، ولو من بعيد يخفف شعورك بالحزن والألم
واستيقظنا يوما من شهر آذار لهذا العام 2020 لنجد أن الجهات الرسمية قد أعلنت بدء تطبيق القانون الأول من قوانين الدفاع: إغلاق مداخل ومخارج المحافظات
ومنع التجول بعد السادسة مساءا .. وإطلاق صافرات الإنذار
وحظر كامل تام وشامل يوم الجمعة
إجراءات وظروف جديدة علينا جميعا .. ثم توالت مجموعة من قوانين الدفاع الأخرى تتوالى حسب المستجدات وعدد الإصابات.

وانقسم الناس خلال هذه الفترة إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى كانت تشعر بالخوف والذعر .. بدأت تتسوق المواد الغذائية بشكل مفرط خوفا من تطور الأحداث بشكل لايمكن السيطرة عليه .. وبدأت تنشر الأفكار السلبية والإشاعات والطاقة السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي .. ولا تملك التحكم بأعصابها أو إدارة الشعور بالخوف والغضب داخلها.
والفئة الثانية أدركت أن هذه المرحلة يمكن الاستفادة منها بتعلم مهارات جديدة .. وإنجاز الأعمال المتراكمة .. وتحقيق الأهداف التي بقيت حبيسة قائمة الانتظار لفترة طويلة ..
وبدأت هذه الفئة تحاول السيطرة على مشاعر الخوف واستغلال الوقت بأمور هادفة مفيدة ..
لتخفيف الشعور بالتوتر والقلق ..
والفئة الثالثة هي فئة المبادرين والمتطوعين .. مجموعة من الناس قررت مساعدة الآخرين ..
وتأهب العديد من الشباب وانتفضوا للمساعدة وتقديم يد العون للآخرين بشتى الطرق.

خلال فترة الأزمة .. كان لمواقع التواصل الاجتماعي استخدام آخر غير التواصل المتعارف عليه قبل الأزمة ..
صار التواصل بطريقة مختلفة ويحمل أهدافا وقيما جديدة بطريقة جديدة ..
بدأت العديد من المؤسسات الشبابية تبث الورشات التوعوية الهادفة ..
سارع العديد من مدربي التنمية البشرية وتطوير الذات للتواصل مع الشباب والشابات من أجل مساعدتهم في تخطي المشاعر السلبية للأزمة وظروف الحجر الصحي ..
يحدثونهم عن كيفية المحافظة على توازنهم النفسي وهدوء أعصابهم ..
وكثرت المحاضرات العلمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي .. والاجتماعات الافتراضية الرقمية ..
والحوارات والنقاشات ما بين الشباب ورواد الأعمال ومديري الشركات ..
لفهم الآليات التي يتبناها الرياديون لمتابعة أعمالهم والحفاظ على استمرارية شركاتهم وموظفيهم ..
بدأت الإدارات والموظفون بتسيير الأعمال عن بعد ..
وكان هذا الأمر موفقا بالنسبة للشركات التي تعمل في قطاع البرمجيات والتكنولوجيا ..
ومن التجارب الجديدة أيضا تنظيم المسابقات الرقمية التي شارك فيها الشباب من دول عربية مختلفة ..
للبحث عن حلول وأفكار مقترحة للتطوير خلال أزمةCOVID-19 ..
في المجالات التعليمية والصحية والتسوق وتسديد الفواتير إلكترونيا ..
وبدأت نسبة كبيرة من الشباب تدرك أهمية تعلم البرمجة والتسويق الإلكتروني وتطوير المواقع والتطبيقات الإلكترونية .. كما ظهرت خلال فترة الأزمة مجموعة كبيرة من المبادرات الاجتماعية والعلمية ..
ومجموعة من التطبيقات الإلكترونية الصحية والخدمية ..

وبعد مرور بضعة أسابيع أدركنا جميعا أن التفكير بإيجابية ونشر الأفكار الإيجابية يمكن أن يساعد الجميع ..
فجميعنا معا في نفس السفينة .. وهنالك آخرون يحتاجون للمساعدة والدعم النفسي ..
كنت أدعو الله أن نبلغ رمضان .. غير فاقدين ولا مفقودين .. وكنت هذه المرة أعني هذه العبارة حرفيا مع كل كلمة وحرف منها .. ” اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين ” ..
كنت أدعو الله وأتضرع إليه أن يبلغنا رمضان وأبناؤنا وأهلنا وأقاربنا وأصدقاؤنا وكل من نحبهم بخير لم يصبهم أي مكروه ..
وبالنسبة لي أنا شخصيا فقد أدركت بعد مرو 15 يوما، أن ما يحدث نعمة كبرى ..
وليس نقمة أو غضبا من الله كما كان البعض يعبر عن الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي ..

وبدأت أنظر للأمور بشكل مختلف ..
فكأنك تبحر في سفينة وسط البحر .. تتقاذفها الأمواج من كل حدب وصوب ..
وتتساءل بقلق: هل سأنجو؟! .. أين سترسو بي السفينة؟! .. وما هو مصيري؟! .. بل .. ما هو مصيرنا!!!
فعندما يتوقف الزمان .. وتفقد المكان .. لتبدأ خطواتك الأولى في طريق جديد ..
وتتساءل .. ربما اختاره الله لنا .. وربما هي الأقدار تسوقنا إليه ..
وتخطو بضع خطوات للخلف لتنظر للأمر من بعيد .. فكأنك تقف على سفح جبل بعيد .. وتتأمل كل ما يدور ..
تنظر إلى تفاصيل حياتك وتفكر وتتساءل .. ماذا أفعل؟ أو .. ماذا يحدث؟! .. وما هو دوري؟!
وتتأمل كل التفاصيل .. التي صاغها وخطها القدر .. وهذه الأقدار الجديدة والأحداث الغريبة ..
إنها مشيئة الله .. وكل ما يحدث إنما يحدث لحكمة من الله وبأمره ..
وتمر حياتك كما باقي البشر .. تقترب من الله، وتجدد علاقتك به لتشعر بالطمأنينة والسلام ..
وتحاول التعويض عن تقصيرك في العبادة .. وتبحث عن أبواب جديدة للرحمة ..
وتحلق بعيدا لتفكر بالآخرين وتتفكر في نعم الله عليك ..
فتدرك أن الصدقة ومساعدة الآخرين ودعمهم نفسيا هو أفضل ما يمكنك أن تقوم به من أجل الإنسانية والوطن والآخرين
وتبدأ تشعر بالهدوء والسلام بالتدريج .. وتتخطى مشاعر القلق والخوف التي تعصف بك ..
وتتمالك نفسك .. من أجل أن تتجاوز المحنة بأقل الخسائر.. وأنت واثق بأن عين الله ترعى وتراقب ..
وتخطو الخطى بحذر، متسائلا: هل هو هذا الطريق .. أم ذاك .. أو أنه .. ربما هناك ..
فكل يوم تصحو فيه هو هدية قيمة من رب السماء ..
وكونك اليوم تنقر على لوحة المفاتيح .. لتكتب هذه الكلمات وتبوح بهذه المشاعر والذكريات .. يعني أنك ما زلت بخير ..
عباراتك هذه تعني بأن الله قد أنعم عليك ومازلت تنعم بالحياة حتى هذه اللحظة ..
وشروق الشمس كل يوم يختلف عن كل يوم .. فتشعر أنك اليوم فقط ولأول مرة في حياتك كنت حرا وحيا ترزق ..
أنت اليوم موجود .. وأحلامك وطموحاتك تتخطى كل الحدود ..
كن واثقا بالله .. كن على طبيعتك كما تحب كما تشاء .. ما دمت حرا ترنو بأمل نحو السماء ..
أطلق العنان لذلك الطفل الصغير في داخلك .. واسمح له اليوم أن يجري ويضحك ويلعب ويقفز ..
تصرف كما الأطفال .. سامح وساعد .. واسمح لروحك أن تحلق وتطير وتسعد ..
فأنت بخير .. أراد الله أن تكون بخير .. لحكمة ونعمة .. لقد مد الله بعمرك يوما آخر .. لأن الآخرين يحتاجون وجودك ..
فأنت لبنة في بنيان كبير .. وسقوطك يعني انهيار البنيان ..
أنت إنسان كرمه الله ليعمر الأرض والكون ويبنيهما .. ويترك بصمة وأثرا في هذه الحياة ..
خلقنا الله متميزين .. وسنبقى متميزين دوما .. هذا ما كنت أقوله لنفسي مع كل يوم ..
استمتع اليوم بكل ما تملك .. بكل رائحة عطرة وجمال ولون .. استمتع بالنعم التي من بها عليك خالق الكون ..
استمتع بكل نعمة مهما تضاءلت وصغرت .. لأنك تملك الكثير .. ويمكنك أن تهب الكثير .. فلا تبخل ..
ابتسم وتفاءل .. لأن خالق الكون رحيم وعادل ..
وكلما حدثت نفسي بهذه العبارات تضاعفت ثقتي بالله ..
وشعرت برحمته تغمرني وتظلل كل شيء من حولي
ومع كل يوم يمر بي .. كان الإيمان برحمة الله يتزايد في أعماق روحي ونفسي
نعم .. لاشك أن هذه التجربة غيرتنا جميعا .. صرنا ننظر للأمور بطريقة مختلفة
وأصبحت نظرتنا للنعم الكثيرة في حياتنا نظرة امتنان وشكر لله تعالى
حتى تلك النعم اللي كانت من المسلمات لدينا، أصبحت كبيرة وعظيمة

تلك النعم الصغيرة البسيطة التي كنا نستصغرها، أضحت عظيمة
أدركنا معنى ومتعة الشعور بالآخرين .. وصرنا نسعى للإكثار من عمل الخير ومساعدة الغير
فربما تكون هذه الأيام هي أخر أيام لنا في هذه الدنيا ..
ومساعدة الآخرين لها متعة أخرى .. تشعرك بالهدوء والطمأنينة والراحة والسلام
لقد فرضت علينا هذه الأزمة تباعدا اجتماعيا .. ولكننا صرنا نتقارب بالفكر والهدف والشعور بالمسؤولية
فرضت علينا تجنب الزيارات العائلية .. وجعلتنا نشعر بأن الوطن كله عائلة واحدة
والآخرون أقارب لنا .. سلامتهم تعني سلامتنا .. وبقاؤهم بخير هو هدفنا
صرنا نتجنب الازدحام خوفا على الأخرين .. وبخاصة الأطفال وكبار السن

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
صار الآباء والأمهات يقضون الوقت مع أبنائهم ويلاعبونهم ويبحثون عن نشاطات منزلية مفيدة وممتعة
صاروا يشاركون أطفالهم اللعب .. ويستمتعون بتبادل أطراف الحديث معهم
تلك الأنشطة التي نسيها الجميع مع دوران عجلة الحياة .. نسيناها جميعا ونحن نركض لاهثين وراء لقمة العيش
أنشطة افتقدناها وفاتنا الكثير من متعتها وإيجابيتها في حياتنا وحياة أطفالنا

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
شركات كبرى خسرت المليارات .. وشركات عالمية تراجعت أرباحها وازدادت خسائرها
وشركات عربية ومحلية توقفت أعمالها .. كساد اقتصادي وعمال بلا أعمال .. ومحال تجارية مغلقة ..
وأناس كثيرون فقدوا وظائفهم وأعمالهم
مصانع هادئة بلا ضجيج ولا ضوضاء ولا تلوث ولا دخان في الهواء
وأجمل ما في هذا كله أن الأرض قد استردت عافيتها .. لقد كانت عبارة ” الأرض تتعافى ” .. وفيديوهات تتحدث عن هذا الأمر تعم مواقع التواصل الاجتماعي

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
المساجد خالية تماما .. تخلو من مصليها وسكانها وروادها ومحبيها .. والحرم لا مصلين فيه ولا معتمرين ..
وكم هو مؤلم هذا الشعور .. وأكثر ما كان يؤلمني .. عبارة “صلوا في بيوتكم ” ..
ولأول مرة منذ 40 عاما وأكثر يتضمن الأذان في نهايته عبارة مؤلمة تشعرك بعظمة تقصيرك وابتعادك عن دائرة السكينة واليقين والتسليم
ولكن العزاء الوحيد هو رحمة الله ولطفه وكرمه بكل صغير وكبير من عباده .. فرحمته قد وسعت كل شيء
صارت حركة السيارات في الشوارع محدودة .. وصار الخروج للضرورة فقط
لم يخل الأمر من بعض المخالفات .. ولكن ضوضاء حركة السيارات والتلوث الذي كان يتسبب به دخان العوادم انحسر بشكل كبير جدا في جميع أنحاء العالم
صارت الشوارع خالية تتبختر فيها الكلاب والقطط .. فما عدنا نسمع في الصباح غير احتفالات الطيور فوق الأشجار .. والهدوء والسكون يعم المكان

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
هل هلال رمضان لهذا العام .. ذلك الزائر الرائع الذي يحمل معه الرحمة والمغفرة والعتق من النار
ولكنه جاء هذه المرة يفتقد رونق عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية الرمضانية
استقبلناه بالترحاب شاكرين لله أنه أبلغنا رمضان ونحن جميعا بخير
وصارت العبادة عبادة .. والصلاة صلاة .. والصيام صيام .. والقيام قيام
لم يعد الأمر يحتمل المراءاة .. لقد أضحى الأمر حقيقة خالصة لوجه الله تعالى

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
عادت العائلات لصنع الخبز في منازلها .. واستعدنا الكتير من المهارات المنزلية والتفنن في أنواع العجائن والمخبوزات والحلويات .. عادات وتقاليد اجتماعية من وحي الطبيعة والبيئة والتراث عادت لتفرض نفسها من جديد .. بعد أن طغت عليها الحضارة والمدنية
لقد تخوف الناس من انقطاع بعض المواد الغذائية .. فبدأ التفكير بالبدائل المتوفرة لدينا في منازلنا
وصار تركيز الغالبية منا على الأغذية الصحية .. ( شوربة العدس والمجدرة وقلاية البندورة والفتة )
فإغلاق المطاعم ألقى بآثاره السلبية على الكثيرين منا .. أولئك الذين تعودوا وعودوا أطفالهم على الوجبات السريعة ومأكولات المطاعم.

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
توقفت الأعراس لمنع التجمعات والحفاظ على سلامة الجميع والسيطرة على المرض والحد من انتشاره
وصار الشباب يستمتعون أكثر بتوفير النفقات والمصاريف التي تتطلبها حفلة الزفاف وفق ما جرت عليه الأعراف والعادات والتقاليد .. وجنبهم هذا الأمر كما جنب عائلاتهم الضغوط النفسية التي كانت تترتب على التجهيزات وقروض البنوك ..
لقد أصبح الأمر الهام بالنسبة للجميع هو أن يعيشوا اللحظة الحقيقية بدلا من توثيقها دون الاستمتاع بها
أصبح الناس يشعرون بقيمة لحظة السعادة وراحة البال .. ويقدرون نعمة الوقت والزمن
أصبحوا يدركون أهمية استغلال كل لحظة تمر في حياتنا في عمل ما يفيدنا ويسعد الآخرين أيضا من حولنا.

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
كنا ننتظر نشرات الأخبار بترقب .. للاستماع إلى تصريحات وزيري الصحة والإعلام لمعرفة عدد الإصابات ومتابعة الأحداث
ويجب ألا ننسى وسط هذه التفاصيل كلها بطولة الأبطال .. كوادر وزارة الصحة من أطباء وممرضين وفنيين ..
والقوات الأردنية المسلحة.. والجيش .. وكافة أجهزة الدولة الذين أداروا الأزمة بمهنية عالية
أولئك الذين يستحقون وسام الشرف بكل جدارة
أولئك الذين كانوا هناك دوما .. ساهرون ينتظرون ويراقبون
لقد نجونا حتى هذا اليوم بجهود أولئك الأبطال على الخطوط الأمامية في المواجهة مع العدو ( فيروس كورونا )
بجهود الرجال وعزيمتهم التي لم تضعف يوما ولم تنكسر ..
وهم يواجهون الخطر والتعب والبعد عن أبنائهم وعائلاتهم من أجل أن نبقى نحن بخير
أبطال يستحقون أن ترفع لهم القبعات احتراما ..
كانوا يسهرون على رعايتنا وراحتنا ونحن آمنون نائمون في منازلنا ننعم بالدفء والهدوء والصحة والعافية
يرسمون البسمة على وجوه الأطفال .. ويثبتون مع كل يوم يمر أنهم على قدر المسؤولية وأن عزيمتهم لاتضعف
ويهبون لمساعدة الجميع بقلب محب وفي مخلص لهذا الوطن وأهله

وأطل علينا ملك البلاد يوم 10من شهر نيسان .. ونحن ننتظره بشوق ليطمئننا ويشد من أزرنا ويرفع من معنوياتنا .. وتحدث إلينا كما يتحدث الوالد إلى أبناzه .. أطل علينا متفائلا .. ليبعث فينا الأمل والعزيمة والإصرار والقوة
أطل واثقا يشكر الجميع ويطمئنهم .. ويثني على الجهود الجبارة لجميع الجهات.
نعم .. سيبقى الأردني عظيماً شامخاً مرفوع الرأس ..
في وطن يقوده عبد الله الثاني ابن الحسين الذي يدير المعركة بكل حكمة واقتدار ..
وسيقودنا إلى بر الأمان بعون الله .. نعم سننجو إن شتء الله من هذا الوباء الذي كسر ظهر دول عظمى
وقريبا سيعود العمال إلى مصانعهم والموظفون إلى مؤسساتهم
وستقام الصلوات في المساجد والكنائس
قريبا ستعود الحياة إلى الشوارع والأسواق

وقد أشادت الدول العالمية بحكمة قيادتنا وشعبنا وحكومتنا في مواجهة أزمة فيروس كورونا والوقوف مع الحكومة والاستجابة والتقيد بكافة الإجراءات الاحترازية والوقائية للتعامل مع هذه الأزمة
وصرنا نشعر بالفخر أكثر وأكثر .. صرنا نرفع رأسنا بعزة وشموخ أكبر
نفاخر العالم بأن الأردن بإمكانياته المتاحة، وبقيادته الحكيمة يمكنه تجاوز الأزمة .. وسيعود أقوى من قبل
نعم .. هي شدة وغمة ستزول عن هذه الأمة بعون الله تعالى

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
ومن التغييرات الهامة التي حدثت خلال فترة الأزمة .. الدراسة عن بعد
لقد كانت منعطفا جديدا في نظام التعليم .. تطلب من المعلمين التدرب على مهارات جديدة
وقد بذل المعلمون جهودهم لمساعدة أبنائنا .. وأبدت المدارس الحكومية والخاصة تعاونا كبيرا في هذا المجال
كان التعليم عن بعد تجربة جديدة بالنسبة للجميع أهالي ومعلمين وطلاب
ولكن نسبة كبيرة من الطلاب القاطنين في المناطق الأقل حظا لم تسمح ظروفهم بمتابعة الأمر
وتعذر عليهم الوصول للإنترنت .. أو حتى امتلاك أجهزة ذكية تمكنهم من متابعة الدراسة عن بعد
وهذا ما دعى بعض الجهات لإطلاق وتبني مبادرة توفير أجهزة إلكترونية للأطفال الأقل حظا
وبعض العائلات وجدت صعوبة في التعلم عن بعد بسبب كثرة عدد الأطفال
أوضعف الاتصال بالإنترنت بسبب الضغوط الكبيرة على الشبكات نظرا لزيادة عدد المستخدمين
عشنا رحلة وتجارب جديدة في العالم الرقمي الافتراضي
بعضنا كانت له تجارب سابقة مع هذا الأمر، ولكن عددا كبيرا منا لم يسبق له أن تعامل مع الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية بهذه الطريقة المختلفة
وبدأ المعلمون والطلاب والأهالي تجاربهم الجديدة واكتسبوا خبرات جديدة
حتى أنا، على الرغم من أن الدراسة من خلال الإنترنت لم تكن جديدة بالنسبة لي
إلا أنني خضت تجارب جديدة تماما .. واستخدمت أدوات رقمية جديدة وتعلمت تقنيات جديدة
وأنجزت أمور بطريقة لم أقم بها من قبل في حياتي ..
واستخدمت تطبيقات جديدة لتفعيل الكاميرا غير الموجودة أصلا على جهاز اللابتوب الشخصي
تطبيقات مشاركة بيئة العمل .. وقاعات الاجتماعات الافتراضية .. والعمل عبر الإنترنت عن بعد

تجارب جديدة أعتبرها نعمة قيمة حصلت عليها في فترة الحظر:
المؤتمرات العالمية الافتراضية .. والانضمام لمجموعات برمجية أعضاؤها من كل دول العالم
كانوا يجتمعون جميعا في القاعات الافتراضية لتبادل الخبرات ورواية الأحداث ومشاركة هذه التجربة العالمية المشتركة التي ألقت بآثارها وتغييراتها على الجميع .. والتي أجبرتنا جميعا على الإبحار في العالم الرقمي ..
لتعلم المزيد واكتشاف كل جديد.

تغيرت أشياء كثيرة مع الأزمة ..
كان احتفالنا بعيد الاستقلال هذا العام مختلفا .. لقد احتفلنا منذ أسابيع في ال25 من شهر أيار بعيد الاستقلال الوطني لمملكتنا الهاشمية بطريقة مختلفة .. أعلام كبيرة ترفرف فوق كل بيت ومؤسسة ومدرسة وبناء
أعلام أردننا تزين منازلنا .. وحب الأردن يزين قلوبنا ويعمرها
وترددت ” أردن أرض العزم ” على شاشات التلفاز والإذاعات الأردنية وغنتها القلوب والشفاه
وسارع كثير من الطلاب والآباء والأمهات للإبداع بتقديم أفكار منزلية في جميع المجالات
أعمال فنية ومقاطع تمثيلية وقصائد ورسوم وأنشطة مختلفة

واليوم هو 12حزيران من عام 2020 …
وبعد انتهاء الحظر .. اليوم هو أول جمعة حرة منذ أول الحظر .. منذ منتصف شهر مارس
جمعة الحرية بعد ثلاثة أشهر متتالية من الحظر الشامل
ربما يشعر الناس جميعا بالحرية اليوم تتطاير مع نسائم الهواء
محمولة على الطائرات الورقية التي يلعب بها الأطفال
حتى الأشجار اليوم تترنم بأناشيد الحرية .. تلك النعمة البسيطة التي افتقدناها خلال فترات الحظر

من المؤكد أن حياتنا بعد هذه التجربة لن تبقى كما كانت من قبل .. ولكن ومن تجربتي:
يجب أن تصبح تجربة التعلم المنزلي عبر الإنترنت نمط حياة وروتين يومي لكل فرد منا صغارا وكبارا
يجب أن نخصص ساعتين على الأقل من يومنا من أجل تعلم مهارات جديدة عبر الإنترنت
فالمنصات التعليمية كثيرة متعددة .. وتشمل كل نواحي حياتنا وتتضمن كل العلوم
كما يجب أن نرجع إلى ربنا في كل مشكلة تمر بنا .. فهو القادر على صرف الأذى واختيار الخير لنا
يجب أن نعمل بكامل طاقتنا الفكرية والجسدية للحفاظ على وجودنا .. ومواكبة تطورات عصرنا
البقاء في العمل والمؤسسات بعد كورونا سيكون للمبدعين القادرين على الريادة والابتكار
والذين يمكنهم العمل بمثابرة لحل المشكلات ومواكبة كل جديد.
لقد أدرك الجميع أن للتكنولوجيا أهمية كبيرة في حياتنا
وبدأت جميع المحال التجارية، حتى المتاجر الصغيرة بدأت تنشيء مواقع إلكترونية من أجل متابعة أعمالها بما يتناسب ويتلاءم مع هذه الظروف
وبدأ الشباب يتعلمون المهارات الأساسية لمواكبة التطور التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه اليوم
بعدما أدرك الجميع مدى تأثيره على حياتنا.

هذه الفترة من حياتنا ستبقى تجربة مختلفة.. سنرويها لأبنائنا وأحفادنا
سنحدثهم عن حياتنا قبل أزمة كورونا .. وتصوراتنا لما بعدها
فهو الواقع المستقبلي الذي سيعيشونه .. ونأمل أن يكون مستقبلا يحمل الخير والطمأنينة والسلام للجميع
سنخبرهم كيف نجونا .. كيف تفاعلنا .. وكيف مرت علينا هذه الأزمة
وكيف أغلقت المساجد أبوابها .. ورفضت استقبال المصلين لأول مرة في حياتنا
سنروي لهم تفاصيل ثلاثة أشهر مضت .. كان اسمها COVID-19 ..
كيف مرت 90 يوما من عام 2020 مابين 15 من شهر آذار .. حتى 12 من شهر حزيران
كيف عشنا جميعا هذه الفترة من حياتنا ما بين صعود وهبوط
مابين توتر وهدوء .. ما بين تردد وثبات .. مابين تراجع وتقدم .. ما بين صلاة وقراءة قرآن
سنخبرهم بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة
سنخبرهم كيف اكتشفنا قيمة كل شيء في حياتنا .. حتى أنفاسنا
سنخبرهم كيف صرنا ننظر لكل ما يحيط بنا بطريقة جديدة مختلفة
وكيف أن الاطمئنان والشكر والامتنان نعمة كبرى .. ومهما فعلنا فلن نوفي حق العبادة و الشكر لخالقنا وبارئنا
سنخبرهم كم هي جميلة حياتنا ونحن لا ندري .. وكم هي كثيرة نعم الله علينا ونحن لا نشكر ..
وكم هي عديدة هذه التفاصيل الصغيرة في وجودنا .. تمر بنا ونمر بها ونحن لا نهتم ولانكترث ولا نشعر ..
كلمة ” الله أكبر” عند أذان الفجر .. تلك الكلمة التي هي أعمق وأكبر في نفوسنا وأرواحنا ..
تلك الكلمة التي يبدد صداها وروعتها هدوء الكون .. وسكون الطبيعة في آخر الليل ..
لينبيء بفجر يوم جديد كله خير .. فنحن بخير ما دمنا أحياء نرزق ..
ويمكننا أن نغتنم فرصة جديدة منحنا إياها مبدع الكون ..
لنزداد مع كل يوم جديد شكرا وحمدا وامتنانا لخالقنا .. ونردد ” أصبحنا وأصبح الملك لله ”
سنخبرهم باننا يجب أن نستمتع بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة مع كل يوم ..
زقزقة العصافير بعد الفجر .. وأول شعاع ذهبي لضوء الشمس حين شروقها ..
ونسمات الهواء العليلة .. التي تحمل لنا الأمل مع كل دقيقة وثانية يمدها الله في أعمارنا ..
لنشكر وندعو ونبتهل ونخشع .. لنعمل ونزرع البسمة على وجه كل من يحيطون بنا ..
وننشر الأمل في كل ما حولنا .. ونتأمل الطيور والأشجار والأزهار والثمار ..
مؤمنين بأن خالق هذه التفاصيل الصغيرة والدقيقة هو الرحمن الأرحم ..
وهو المسير لكل أمورنا .. والمدبر لكل تفاصيلها بكل ما فيها ..
لن يتركنا لحظة ما دمنا نذكر ونشكر ونبتهل ونتضرع ونتوسل أن يغمرنا بلطفه وكرمه ..
ويشملنا بعطفه ورحمته ومغفرته .. ويديم علينا نعمه التي لاتعد ولاتحصى
فهو الله خالق الكون .. ومبدع الجمال واللون .. خلقنا لنعمر الأرض .. ونغير العالم والكون نحو الأفضل
وأبناؤنا هم قادة المستقبل .. وعليهم تقع مسؤولية التغيير
لقد كانت أزمة COVID-19 تجربة عجيبة غريبة .. نأمل أن تنقضي على خير .. ويكون كل ما بعدها خير.

الاثنين 15 من شهر حزيران لعام 2020

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى