التاريخ الديني – 1 / د. هاشم غرايبه

التاريخ الديني – 1
د. هاشم غرايبه
سأحاول في سلسلة مقالات أن أتعرض لتاريخ الدين مع الإنسان، وأعتقد أن علماء التاريخ اهتموا كثيرا بأخبار القادة والحروب والصراعات القومية بين البشر أكثر بكثير من تتبع المراحل التاريخية للدين، ويعود ذلك باعتقادي إلى أن المصادر المعتمدة للتاريخ العالمي ظلت على وجه العموم غربية، ونظرة هؤلاء المؤرخين إما ترفض أن الدين من عند الله، أو تميز بين العقائد السماوية فتتقبل بعضها أنه إلهي المنشأ وترفض البعض، لذلك تعتبر أن هنالك أديانا متعددة رغم تناقض هذا الإفتراض مع مفهوم أن هنالك إلها واحدا.
وحتى أتجنب الوقوع في فخ الفكرة المسبقة، أي التحيز للفكرة التي أنا مؤمن بها، سوف انتهج عدم الإعتماد على الروايات الدينية التي مصدرها واحد من العقائد السماوية الثلاثة : اليهودية والمسيحية والإسلامية، إلا أن تكون متفق عليها منها جميعا، وبحدود ذلك التوافق، لكن سوف أعتمد بشكل رئيس على ما ورد في القرآن الكريم، الذي يعتبر الكتاب السماوي الوحيد الذي خلا من العبث البشري.
نتفق بداية على أن الكتب السماوية الثلاث، كلها من عند الله، لكن الثابت أن الكتب الأصلية التي أنزلت على الأنبياء ( ما عدا القرآن) ليست هي المتاحة بين أيدينا الآن، بدليل أنها تمت صياغتها في عصور متأخرة عن زمن النبي الذي أنزلت عليه، فالصحف التي نزلت على إبراهيم عليه السلام ليس لها أثر، رغم بقاء عدد من أتباعه منعزلين عن مجتمعهم المشرك في صوامعهم ، مثل ورقة بن نوفل والراهب بحيره، وأما التوراة الحالية فهي روايات لأحداث اتفق المؤرخون على أن الأسفار الأربعة الأولى قديمة لكن البقية أضيفت في فترة السبي البابلي، لذلك كثرت فيها القصص الحماسية الأسطورية، والمذابح التي زعمت أن النبي ميشع ارتكبها في حق غير اليهود، التي يبدو أنها وضعت لشحذ عزيمة اليهود المسبيين في المنفى، فلا يمكن أن يتقبل العقل أن الله أنزلها وهو ذاته الذي أنزل الإنجيل الذي يدعو الى التسامح والمحبة وتقديم الخير للآخرين حتى ولو كانوا أعداء.
إن التاريخ المتفق عليه أن الله تعالى أنزل التوراة على موسى عليه السلام بعد إنقاذ بني إسرائيل من ظلم فرعون، وأنها كانت مكتوبة على ألواح، وأنهم ظلوا يحافظون عليها، وبعدها بزمن طويل نزل “الزبور” على داود عليه السلام، لكن لا أحد يعلم مصيره، فهل يعقل أنهم حافظوا على التوراة وأضاعوا الزبور الأحدث؟.
أما الإنجيل فالجميع يتفقون على أنه الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه عيسى عليه السلام ، لكن أين هو الآن؟ ما بين أيدينا أربعة أناجيل وليس واحدا وهي منسوبة الى البشيريين: متي ومرقس ولوقا ويوحنا، جميعها تروي سيرة المسيح، ولكنه لا يوجد في متونها ما يشير الى من هو كاتبها.
هكذا نصل الى أن القرآن هو المتبقي الوحيد من الكتب السماوية بحرفيته التي نزل بها، لذلك يبقى مرجعا موثوقا لتاريخ الدين في حدود ما ذكره من أحداث، وما لم يذكر فيه نأخذه من الروايات التي تم التوافق عليها في العقائد الثلاثة.
بعد أن بينت المنهجية سنبدأ في التفاصيل في المقالات اللاحقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى