جملة مفيدة

جملة مفيدة
د. هاشم غرايبه

أعلنت الحكومة العراقية أنها تقدمت بطلب قرض من البنك الدولي بقيمة 6 مليارات دولار، وقالت انها بحاجة ماسة لذلك لتسديد جزء من عجز الموازنة للعام الحالي بلغ أكثر من 40 %، علما أن الدين العام قد وصل الى 140 مليار دولار.
من الضروري هنا التساؤل: كيف وصلت دول تعتبر غنية ومانحة للقروض مثل العراق والجزائر ومصر الى التسول؟، وما الذي حول اقتصادات هذه الدول التي كانت تنعم بفوائض نقدية تتراكم سنويا وتتعاظم، الى العجز والاستدانة لتسديده؟.
وفي الوقت نفسه، لن نر مشاريع انتاجية من مصانع أو مناجم تعدينية استوجبت كلفا عالية، ولا انشاءات استراتيجية مكلفة كالسدود والأنفاق والموانئ والمطارات وخطوط القطارات انجزت في أي من هذه الأقطار.
وفوق كل ذلك، فالأحوال المعيشية للمواطنين في الحضيض جراء الضرائب وارتفاع الأسعار والبطالة.
فأين تذهب ثروات البلد الطائلة؟
ليست قصة هبوط أسعار النفط بحجة، فحين كانت أسعاره بالكاد تصل ثلاثين دولارا للبرميل كانت خزائن هذه الأقطار تغص بالمال، وكانت حركة الإنشاءات في أوجها أيضا.
يعلل المدافعون عن هذه الأنظمة أن العيب هو في الاعتماد على الاقتصاد الريعي، الذي يعتمد حصريا على ما يتحصل من مبيعات الموارد الطبيعية الخام المستخرجة (البترول والغاز)، ولا يسانده اقتصاد متعدد الموارد…صحيح أن ذلك سبه الفشل الإداري، ولكنه جزء من الخلل، فلا بد أن هنالك تسرب للمال، والشرخ الذي يتسرب منه مركزي أي في قمة الهرم حتى يسبب ذلك النضوب السريع.
واذا ما ترافق مع ذلك سوء ادارة للمرافق العامة، سنجد الفسادين التأما معا: فساد ذمة الطبقة السياسية العليا، مع فساد اداراتها التي تولى المسؤوليات بناء على المحسوبية السياسية أو الطائفية، وليس الكفاءة.
في العراق كانت هذه العوامل ساطعة بسبب أن النظام منتج للاحتلال الأمريكي، الذي هو رأس البلاء، فهو الذي أوكل الى عدو العراق التاريخي (ايران) مهمة الوصاية عليه، ويعلم أن ذلك سيفرخ نظاما طائفيا قائما على التقسيم والمحاصصة، التي تحقق مصالح النفعيين والفاسدين، ويلهي الناس عن فساده بديمقراطية وهمية، ويتخفى بفشله خلف بمحاربة ارهاب مزعوم، ما هو في حقيقة الأمر غير خديعة للبطش بالمعارضين.
قد يتولد سؤال ساذج: لماذا تسليط كل هذا الإجرام بحق هذه الأقطار من بين كل دول العالم.. هل هي حقا تمثل خطرا على الغرب وعلى دوام رفاهية شعوبه؟.
لا يوجد غير إجابة منطقية واحدة، وهي لكي يتم تدمير هذا الجناح الهام من أجنحة الأمة المتكسرة أصلا، ولكي لا يعود جبره ممكناً، وكل ذلك لتحقيق أمان الكيان اللقيط، ودوام احتلاله لفلسطين، لأن السارق لا يطمئن باله إلا ان بقي صاحب الحق كسيرا عاجزا.
ما سبق ذكره وقائع ثابتة يدركها القاصي والداني، وليست تصورات أو تحليلات، لذا فليس قابلا للتشكيك أو الاتهام بالتحامل.
لذا فلا مجال لانتظار الحلول الترقيعية، إن لم تعالج جوهر المشكلة، فالقروض التي تلجأ لها هذه الأنظمة لن تزيد البلاد إلا رهقاً، وبما أن هذه هي المشكلة في كل أقطار العروبة، لذا فالحل لها واحد، وهو ذاته الذي نجح في كل الأقطار التي نهضت من بعد دمار اقتصادي، وتقدمت من بعد تخلف.
والأمثلة على ذلك كثيرة، منها الهند وماليزيا وسنغافوره وكوريا الجنوبية وتركيا وتشيلي، لكن أكبر مثال هو الصين التي كانت تغط في سبات اقتصادي عميق، وكيف أصبحت أكبر قوة اقتصادية في السوق العالمي عندما تولى السلطة من تحرروا من أسر الأيديولوجيات الخشبية.
لذا فالوصفة الصحيحة هي أن يتولى الحكم نظام سياسي نظيف اليد ومخلص.
نظافة اليد لا تتحقق من الفاسدين ولو صدقوا النية في الإصلاح.
والإخلاص لا يكون إلا ممن ينتمون الى الأمة حقا وليس من طبقة المتأهلين على يد الغرب المستعمر، فهو لا يؤهل إلا المخلصين له.
هكذا هو سبيل الخلاص، وليس متوقعا ممن أدمن الفساد أن يعود عنه من تلقاء نفسه، فإذا كان الله لا يسمع من ساكت، فهل نطمع أن تغير الأنظمة من نهجها ونحن صامتون!؟.
لقد هبت الجماهير قبل عشر سنوات وقالت كلمتها، لكن المستعمرين أولياء أمور الأنظمة هبوا لنجدتها وتمكنوا من تثبيتها، فزادت هذه الأنظمة من فسادها والحقت ببلادها دمارا.
فهل سنستفيد من هذه التجربة المريرة في الهبة التالية القادمة لا محالة، وندرك مسبقا من سيكون معنا ومن سيصطف ضدنا!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى