المؤامرة / ميس داغر

المؤامرة

قبل مئة عامٍ في قريتنا النائية، اعتكف رجلٌ في بيته والشك يغزوه في أنّ مؤامرةً ما تُحاك ضده. وكان عليه في هذا الاعتكاف التأمّل ملياً في سُبُل كشف المؤامرة. لكنّ زمناً طويلاً لم يمضِ حتى ساوره شكٌ جديد في أنّ المؤامرة لا تُحاك ضده فقط، بل ضد أهل القرية جميعا، وأنّ مُهمّة كشفها أثقل من أن تقع على كاهله وحده، إذ لابد له من أن يُشرك معه فيها بعضاً من معارفه. فأطلع بعضاً من المقربين على شكوكه، وصاروا يلتقون جميعاً سراً، يتفكرون لساعاتٍ طويلة في طرق الكشف عن المؤامرة.
سرعان ما تسرّب خبر المؤامرة إلى بيوت القرية كافة. وانتهى الحال بالعائلات كلها هَلِعةً منها. فانغمس أبناء القرية جميعاً، فرادى وجماعات، في محاولات فكّ ألغازها. لكنهم، وبرغم جهدهم المضني، أخفقوا جميعاً في فك أيٍ من هذه الألغاز. وبرروا هذا الإخفاق بأنّ المخطط التآمري ضدهم بلغ من الدهاء والحرفيّة ما جعله عصيّاً على الكشف.
منذ خمسين عاماً، مات الرجل الأول صاحب نظرية المؤامرة، من غير أن يعلم أحد –ولا هو نفسه- عن إصابته بجنون الارتياب. واليوم، سيظلّ خياراً أكثرُ صحّةٍ للدماغ -بالنسبة لأي غريب يحلّ ضيفاً على قريتنا- أن يُطلق النار على رأسه، من أن يستوعب مشاهدة ثلاثةٍ من أجيال القرية ما زالت تتوارث الطريق ذاته في عزل نفسها عن العالم، وإفنائها من الطفولة إلى المشيب في محاولات كشف المؤامرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى