من مدريد إلى كتالونيا.. يا قلب لا تحزن / وائل مكاحلة

من مدريد إلى كتالونيا..

خبر: “فوز الحزب الحاكم لأسبانيا، لكن دون أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة حزبية وحده”……… إنتهى الخبر !!

دعونا نرص المعاني الضخمة والدروس المستفادة من خبر صغير قوامه ستون حرفا لا غير..

– أي أن الإنتخابات الشعبية ليست فقط من يحدد لمن سيؤول تشكيل الحكومة، بل تحدد أيضا إن كانت ستشكل حزبيا أم إئتلافيا مع أحزاب أخرى.

مقالات ذات صلة

– أي أنه لا وجود لحكومات التكنوقراط المستقلة التي يهمها تقوية طرفها على حساب الأطراف الأخرى، والتي لا تعمل بروح الفريق ولا بالروح الرياضية، ولا بأي روح من أي نوع.

– أي أن البرلمان ذي السلطة العليا في البلاد لا ينوب عن الشعب في تقرير مصير الحكومات ونوعها، ربما ينوب عنه فيما يختص بالرقابة والتشريع فقط.

سأبتلع حبة الضغط وأعود لكم…

في بلد كبير بحجم إسبانيا فازت مقاطعة كتالونيا قبل أعوام في الإستفتاء الشعبي الذي قرر مصير المقاطعة، وحوّل حكمها من مجرد التبعية للدولة إلى إقليم مستقل يحكم نفسه ذاتيا، طبعا إقليم مستقل بذات العلم وذات النشيد الوطني لإسبانيا، لكنه لا يستقبل الأوامر والتعليمات من الدولة لأن لديه برلمان منفصل يشرّع ويقرّر ويراقب، هل هذه ديمقراطية أم فوضى؟

قرأت منذ أعوام مقولة للرسام الكبير “فرانشسكو جويا” في زمن النهضة، عندما أخبروه أن الحرب بين بلاده والفرنسيين ستحدد أي بلد سيحتل الآخر، فقال ساخرا: “لا أخشى أن يحتلنا الفرنسيون، هؤلاء أهل الفن والإيتيكيت والأدب، إنما أخشى إن إحتللنا نحن فرنسا، سنعيث في البلاد خرابا” !!

الغريب أن الفرنسيين إحتلوا بلده فعلا، فرسم بيده مقدار كرهه لهم ولحربهم وإحتلالهم، لكنهم كانوا كما وصفهم بالضبط، أهل فن وذوق عاملوه كفنان كبير، حتى أن ضباطهم حضروا معارضه وأشادوا بريشته…!!

أنا هنا لا أشيد بالإحتلال الفرنسي.. فلنا تجارب مريرة معه كعرب، لكن دعونا نقول أن لكل بلد وشعب خصوصيته، لا تنسوا أن فرنسا لم تعان في إسبانيا كما عانت من المتمردين في مستعمراتها فيما بعد، ثم أن بين فرنسا في عصر النهضة وفرنسا الحديثة تغيرات عملاقة، بدءا بالثورات وإنتهاءا بأنظمة الحكم المختلفة..

أنا فقط أردت توضيح نظرة الشعب الإسباني لنفسه، جاهل من يقول أن العرب إحتلوا شبه جزيرة إيبيريا (إسبانيا والبرتغال) وهؤلاء استردوها، الإسبان الأصليون بقوا في بلادهم وجاوروا العرب وتعلموا منهم وتطبعوا بأطباعهم، من أخذ الأندلس هم القشتاليون الذين وصفتهم كتب التاريخ الأوروبية بالقوم الرُّحّل الذين لا يستقرون، حتى جمعوا أنفسهم تحت راية ملكهم الأول “فرنان غوانزاليس” وعرضوا الخدمات على بعض ملوك الطوائف المتناحرة..

هل ستدهشون لو علمتم بأن بعض ملوك الطوائف إستعانوا بالقشتاليين فعلا ليقاتلوا معهم باقي الممالك العربية؟!!

عموما بقي الوضع كذلك حتى جاء المرابطون من المغرب العربي وعلى رأسهم زعيمهم “يوسف بن تاشفين”، فردوا القشتاليين إلى مملكتهم الصغيرة في “ليون” وأعادوا الميزان في الأندلس لتستوي كفّتاه ثانية…

هذا ليس موضوعنا الآن.. فقط أردت تبيان أصول الإسبان الحاليين الذين جاؤوا من منابت غجرية مترحلة لم تكن إيبيريا يوما أرضهم، لكنهم حصلوا عليها جراء المرض العربي القديم…. الفرقة، لعبة “فرّق تسد” لم تكن يوما سياسة إستعمارية بقدر ما كانت ثغرة موجودة أصلا لدى العرب، وأحسن الإستعمار استغلالها..

ليس معيبا في حقك أن تكون من أصل همجي أو غجري أو من أبناء الشوارع حتى، المعيب أن تظل على حالك ولا تحاول أن تطور من نفسك، هؤلاء الذين نشاهدهم اليوم يستفتون ويتمخضون حكومات ناجحة مؤثرة كانوا غجرا، كتب الأنثروبولوجيا لم تكذب وهم لم ينكروا، غجر استطاعوا أن ينفذوا إلينا من أخطائنا وهفواتنا وتناحرنا فيما بيننا، وأخذوا أرضا عزيزة عظيمة علّمت أوروبا كيف تدخل الحمامات وتنظف بيوتها وتتحضّر، العقال الأسود الذي نرتديه اليوم فوق الغترة كان حدادا على ضياع تلك الأرض… لكننا ننسى بسرعة !!

هنيئا لكم بإيبيريا وبشعوبكم التي تأبى إلا أن تعلمنا درسا جديدا في كل مرة..

هنيئا لكم بالحزبية والإئتلافية… وأتركوا لنا التكنوقراط..

فالتكنوقراط يليق بنا…!!
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى