الكورونا وتغيير المفاهيـم

الكورونا وتغيير المفاهيـم
د. قــدر الدغمــي

تعيش الإنسانية اليوم لحظات تضامنية عليا وفارقة لم يشهدها التاريخ المعاصر من قبل، ومن لا يشاهدها فهو أكثر من أعمى أو على عينيه غشاوة، لقد عاش العالم في القرن المنصرم اشكال الدمار بكل أنواعها، وأنفق أموالا مرعبة في التسلح العسكري والتطور التكنولوجي على حساب حياة الإنسان ومنظومته الصحية.
يعلم الجميع بأن هذا الكوكب كوكبنا جميعا، وعلينا بلا استثناء واجب بأن يصاغ بعد هذه المحنة بشكل أنبل وأرقى واضمن لسويته وسلامته لتعيش البشرية بأمان وتتقدم وتنعم بالحياة، لقد حطم وباء كورونا وهم السرديات الكبرى كلها في العالم، وجعل الإنسان محصورا مذعورا بين ملامسة أصابعه واختلاطه مع أقرانه.
فهل كان لا بد أن يأتي ذلك الفيروس اللعين لنعرف قيمة الحياة التي يهدرها الساسة الحمقى والأغبياء في الحروب والصراعات الداخلية والخارجية وبكل أنواع أسلحة الدمار الشامل التي طورها والمغلفة بالأحقاد والأطماع والشرور والآثام .؟ فما أبشع الإنسان وهو يحاول السيطرة على أخيه الانسان، فيما ينكشف ويتعرى عجزه الفاضح عند محاولاته السيطرة على كائنات مجهرية لا ترى حتى بالعين المجردة.!
لقد باتت الإنسانية اليوم في امتحان رهيب بسبب هذه الجائحة، وقد أيقظت العالم بأسره من غيبوبته ووحشيته وأنانيته وجشعه الذي لا حد لها، فعلى دول العالم وتكتلاته اليوم وبشكل ملح وبحاجة ماسة لتغيير سياساتها ومصالحها المستقبلية، فقد عصف هذا الوباء بالنظام العالمي برمته وقد يخرجه لنا بصورة محدثة جديدة لا أحد يستطيع كشف ملامحه.
علينا اليوم أن نثق أولا واخيرا في نجاح الإنسانية في تجاوزها هذا الامتحان الكبير ولا يتم ذلك إلا بتضامنها وتوحدها وتعاونها وصبرها لمواجهة هذا التحدي، وتسخير كل الامكانيات للحد من حجم هذه الكارثة الإنسانية.
بالانتشار الواسع والسريع لهذا الوباء المستجد، واجتياحه المجتمعات المتطورة والمتقدمة بلا هوادة فلا بد أن يصيغ بدايات لقرن جديد ومختلف، بعد أن يوضع السلاح والمسلحين الذين اشعلوا الحروب العبثية القذرة في العالم جانبا، وتتقدم المنظومات الصحية في مقدمة الأولويات، وعلى الجميع أن يعي ويفهم أنه لا معنى الحياة دون التعايش السلمي.
فهل يا ترى هذا الفيروس سيقلب المفاهيم السابقة رأسا على عقب.؟ ففي الكوارث الطبيعية والأزمات احيانا يشعر الناس ولو بشكل مؤقت بالمساواة، وبذلك هل سيعود العالم لوعيه ورشده بعد أن تلقن الدرس القاسي من الماضي وعجز أمام هذا الفيروس الخطير.؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى