لماذا حل حزب الشراكة والانقاذ ؟

لماذا حل حزب الشراكة والانقاذ ؟

غيث هاني القضاة

في الوقت الذي وجه فيه جلالة الملك رسالة شفوية الى السلطات في الاردن وذلك  في لقاء خاص مع وكالة الانباء الاردنية( بترا ) قبل  أكثر من اسبوعين يطلب منهم بكل وضوح بضرورة النظر بالقوانين الناظمة للحياة السياسية في الاردن من أجل تطويرها  كقانون الانتخاب وقانون الاحزاب ،وضرورة التطوير المستمر لتعزيز المشاركة السياسية وزيادة مشاركة الاحزاب والشباب وصولا الى حياة سياسية برامجية راسخة متزامنة مع دخول المملكة مئويتها الثانية ،يقوم بكل أسف وزير التنمية السياسية  بالرد على هذه  الرغبة الملكية وهذه التوجهات الملكية المتطورة والمتقدمة  بأن يقوم بتشكيل لجنة بشكل طارىء من أجل تجميد عمل حزب الشراكة والانقاذ والطلب من المحكمة المختصة حل الحزب الذي تأسس قبل أكثر من سنتين فقط ؟فكيف نفهم ذلك ، وكيف نفهم سلوك الوزير الذي يعتبر من أكثر وزراء التنمية السياسية بقاء في منصبه هذا لأكثر من ست سنوات متواصلة دون أي إنجاز سياسي يُذكر في تاريخه السياسي.

اجتمعت اللجنة  الحكومية الخاصة بمتابعة أمور الاحزاب  في وزارة التنمية السياسية بكامل أعضائها وعلى وجه السرعة في ذلك اليوم ،وهي لجنة شؤون الاحزاب السياسية وجميعهم من الموظفين الذين يتبعون السلطة التنفيذية وغير مستقلين بطبيعة الحال،ومن المؤكد أن إجتماعهم جاء بناء على تعليمات من خارج الوزارة،وقررت هذه اللجنة خلال أقل من ساعتين  إرسال كتاب من وزارة التنمية السياسية الى محكمة الاستئناف يطلبون فيه من المحكمة حل الحزب ووقف وتجميد نشاط الحزب فورا لحين حله ! وصدر الخطاب من الوزارة  في نفس اليوم بسرعة غريبة جدا ! وذلك كما يقولون  بسبب مخالفات إدارية ارتكبها الحزب كان أهمها بحسب تقريرهم؛ عدم تصديق عقد الإيجار السنوي لمقر الحزب من أمانة عمان الكبرى، وعدم مطابقة تواقيع بعض أعضاء الحزب للتواقيع المحفوظة لدى الوزارة تلك  المتعلقة ببعض الخطابات والمراسلات بين الوزارة والحزب،أو عدم إنتظام اجتماعات الحزب أثناء فترة جائحة كورونا! وكذلك بعض الامور الادارية البسيطة التي لاعلاقة لها من قريب أو بعيد بالعمل السياسي أو الحزبي، ولا تستوجب تجميد نشاط الحزب ووقفه عن عمله وحله ،فما هي الاسباب الحقيقية اذن ؟ولماذا بدأنا نشهد بداية تمريررغبة السلطات على ما يبدو عبرالمحاكم ؟

مقالات ذات صلة

أتحدث في مقالي هذا كمؤسس من مؤسسي هذا الحزب الذي عاش  لحظات حمله وميلاده لحظة بلحظة ، ولا يخفى على أحد أن بذرة هذا الحزب وفكرته الأساسية  قد نشأت بداية مع مجموعة كانت تنتمي لحزب جبهة العمل الاسلامي ،وقررت بعد نقاش طويل -لامجال لذكره هنا- أن تستقيل من حزب الجبهة وتذهب لتأسيس حزب سياسي خاص بها ،وقد اجتمعت هذه المجموعة مع مجموعات وطنية  أخرى من المهتمين بالعمل السياسي والحزبي، واتفقوا على مبادىء عامة للحزب كانت أساسا للحزب الجديد الذي تشكل بالتعاون بين أطياف سياسية مختلفة المشارب والمرجعيات الفكرية والسياسية ، يجمعها حب الوطن والحرص عليه والرغبة الأكيدة بتطوير الحياة السياسية في الاردن والأمل في مستقبل سياسي جديد.

كانت الاجهزة باعتقادي – وهي الجهة التي توافق على الترخيص ابتداء قبل موافقة الوزارة – تعتقد أن هذا الحزب الجديد الذي كان بعض مؤسسيه سابقا  في حزب جبهة العمل الاسلامي سيكون برنامجهم الوحيد والرئيس هو الهجوم الدائم على حزب الجبهة أو جماعة الإخوان ،وسيكون خروجهم إضعافا للحركة الاسلامية وتقويضا لها ،وكانوا يعتقدون أن حروبا سياسية ستنشأ بين الحزبين  وسيتم استنزاف طاقة الحزبين في هذه الخلافات ، لكن الحزب الجديد لم يفعل ذلك إطلاقا بل وتعاون مع حزب الجبهة في بعض المواقف الوطنية ولم يجعل في سياسته هذا الهدف إطلاقا ، فكانت هذه الصدمة الأولى لهم ، خصوصا أن حزب الشراكة والانقاذ قد بدا أكثر صلابة وتشددا في بعض المواقف السياسية  .

جاءت الصدمة الثانية من موقف الحزب من حراك الدوار الرابع ، حيث قام الحزب بالتنسيق والدعوة لهذا الحراك مع الحراكات الوطنية المختلفة ،وبقي مشاركا فيه لأكثر من خمسين اسبوعا ،وهو يُحفز الجميع ويطلب منهم المشاركة اسبوعيا ،وهو الحراك الذي حاربته الاجهزة بكل قوتها وحاولت شيطنته والتخويف منه مرات عديدة ،والذي كانت سقوفه السياسية  أحيانا مرتفعة وهتافاته قاسية.

تشكّلت صدمة أخرى باعتقادي عندما لاحظوا أن هنالك أعدادا جيدة بدأت تنضم الى الحزب من بعض العسكريين المتقاعدين أصحاب الرتب العالية سواء أكانوا سابقا  في الجيش او الامن العام أو غير ذلك ، خصوصا أن مجموعة منهم قد حاولوا تأسيس حزب خاص بهم يضم في معظمه العديد من المتقاعدين العسكرييين أصحاب الحس الوطني العالي الذي يؤمنون بهذا الوطن ويؤمنون بحق المواطنين في العيش الكريم ومحاربة الفساد وتغول الفاسدين المتنفذين على الحياة الاقتصادية والسياسية للناس ،لكن السلطات رفضت الترخيص لهم حينها  ،فيبدو أن وجودهم في حزب الشراكة  بدأ يقلقهم خصوصا بعد أن تم ممارسة ضغوط كبيرة على بعض الألوية المتقاعدين الذي انضموا للحزب ثم استقالوا منه تحت الضغط الشديد .

بدأت ملامح الخطورة من هذا الحزب تزداد عندما لاحظوا أن هنالك تيارا جديدا من الحراكيين بدأ الانضمام الى الحزب من مختلف مناطق المملكة ،وأصبح الحزب يمثلهم ووجدوا فيها مجالا سياسيا خصبا للتعبير عن أرائهم وأفكارهم ضمن المنظومة السياسية الحزبية، وليس سرا أن اذيع أن الحزب يعطي صلاحية واسعة لاعضائه جميعا للتعبير والصعود داخل الأطر الحزبية المختلفة بحسب نشاط كل شخص فيه سواء أكان جديدا في الحزب أم غير ذلك ،ولا يخفى على المراقبن أن السلطات تحارب منذ سنوات فكرة توحيد عمل الحراكيين في الاردن  وتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تٌشتت شملهم وتفرّق تجمعهم ،لأنهم يعتقدون أن تجمع الحراكات وتوافقها سيؤثر على ميزان القوى وكان يقلقهم أن هذا الحزب سيصبح بعد فترة مكانا  لعدد كبير منهم ، وهو الأمر الذي قد يوحد الحراك الشعبي الاردني تحت راية الحزب .

لا يخفى على المتابع لنشاط الحزب تلك المواقف السياسية الجريئة المتقدمة التي مارسها الحزب  في قضية الباقورة والغمر، وعقده كذلك للعديد من الندوات الهامة  خصوصا مؤتمر تغيير النهج ،الذي طالب فيه الحزب بتغيير نهج الادارة السياسية في الاردن  وليس تغيير الاشخاص ،وكذلك في قضية مقاطعة الانتخابات النيابية الأخيرة حيث امتنع الحزب عن الترشح أو التصويت في الانتخابات النيابية ودعى بقوة الى تغييير قانون الانتخاب وتطويره ليكون اكثر تمثيلا للناس وأكثر عدالة ،وكان من أكثر النشاطات إيلاما للاجهزة ذلك الموقف القوي الواضح مع نقابة المعلمين-التي حلتها الاجهزة- ودعمها باقصى ما يمكن من دعم ، فتبنى الحزب قضيتهم ودعاهم الى عقد مؤتمر في مقره من أجل شرح قضيتهم ،ودافع عنهم بكل الطرق السياسية الممكنة من إصدار بيانات والوقوف معهم في جميع وقفاتهم والطلب من الحكومة حل قضيتهم بالطرق الدبلوماسية الهادئة من أجل تخفيف التوتر وعدم التأزيم معهم .

من أجل كل ذلك باعتقادي وغيره  جاء التحرك سريعا ومباغتا من قبل الاجهزة ولا أقول وزارة  التنمية السياسية، فهي بكل أسف لا تملك من هذا الأمر شيئا ،ولو كانت منصفة لما قامت بالتوصية بحل الحزب بناء على أخطاء إدارية بسيطة وسخيفة ولا قيمة لها في العرف السياسي، وعلى ما يبدو أن التعليمات كانت أقوى من الجميع ،فأصبح العمل السياسي مصدر خطر كبير وأصبحت الكلمة أقوى وأوجع من السهام، وأصبح الموقف السياسي الوطني  يؤلمهم ،وأصبح معظم أعضاء الحزب ملاحقون ومطلوبون للتحقيق، فماذا يريدون اذن ؟ لماذا يحاربون رغبة الملك بالاصلاح  ؟ ولماذا يزرعون الالغام السياسية في ساحة الوطن ! غير آبهين بالعواقب والتبعات ،ولماذ يحاربون أنصار الوطن بهذا الاستبداد الظالم؟

بقي أن أقول أن  هذه التصرفات لن تُمحى من ذاكرة الوطن وستبقى في الوجدان الشعبي مصدرا وطاقة دافعة  لمحاربة الفساد ولمحاربة التغول الأمني الذي بات يسيطر على المشهد بكل أسف ،وستكون هذه التصرفات شعلة الانطلاق لمحاربة هذا التسلط وأصحابه ومقاومة هذا الاستبداد ومن يقف خلفه و يديره ، ولا يمكن لأي دولة أن تتقدم أو تتطور إذا سبق  وخالف فيها الرأي الأمني الرأي السياسي، وسنبقى ندور في حلقات التخلف والفساد  السياسي والاقتصادي والاداري  مع بقاء هذه العقليات العرفية المُتحجرة التي تقود المشهد والتي لا ترى أبعد من أنوفها وهي تسيء للوطن وتزرع فيه بذور التخلف والتراجع .

يبدو أن الطريق السياسي في العالم العربي طويل وشاق ومليء بالصعوبات ، وهو بلا شك صراع بين قوى وتيارات فكرية سياسية وأمنية وسلطوية ستنتصر بها إرادة الشعوب في نهاية المطاف ، لكنه بحاجة الى قيادات مجتمع مدني ذكية  تتعامل باحتراف سياسي متقدم، تستخدمُ فيه وسائل وأدوات وطرائق جديدة لادارة التدافع في ظل الاستقرار والأمن لمجتمعاتنا وأوطاننا بلا شك ،وهو الأمر الذي يجعل المعادلة صعبة والمهمة شاقة .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى