العلاقة الاردنية الاسرائيلية : سلام أم استسلام ؟

العلاقة الاردنية الاسرائيلية : سلام أم استسلام ؟
طاهر العدوان

علينا ان نعيد تعريف مصالحنا الوطنية الاستراتيجية هذا أولاً ، وثانياً علينا كدولة وشعب ان نقيّم الخطر القادم من اسرائيل وأمريكا حاضراً ومستقبلاً

هذا السؤال موجه للدولة الاردنية ، حكومة وشعباً ، وليس لاسرائيل ، ذلك ان سياسة حكومة نتنياهو تجاه الاردن واضحة كالشمس فهي لا تقوم على مفهوم السلام الذي على اساسه وقعت معاهدة وادي عربة بل هي تتعمد إلحاق أقصى الضرر بمستقبل الاردن وهويته ووجوده عدا عن توجيه ضربة قاصمة للدور الأردني تجاه القدس وأقصاها الشريف . سياسة نتنياهو تجاه الاردن ،التي تتلقى دعما وانحيازاً غير مسبوق من الادارة الامريكية الحالية ، تقوم على غطرسة القوة والسعي العلني لتقويض المصالح الوطنية والقومية للأردن .
من خلال ما يسمى بصفقة القرن او قل مؤامرة القرن التي قطعت شوطاً كبيرا في التنفيذ ( اعلان ترمب حول القدس ونقل السفارة ، اعلان الدولة القومية اليهودية ، العمل الجاري لتصفية الاونروا ، التلميح لإعلان أمريكي قريب بإنكار حق عودة اللاجئين والزعم بان عددهم هو فقط ٥٠ ألفاً ، ثم الكشف عن ان الهدف الأخير هو كونفدرالية بين الاردن وما يتبقى من الضفة المحتلة ٢٠ بالمئة من مساحتها وبدون القدس المحتلة ). كل هذه الخطوات التي تمت بعمل احادي الجانب ، مثال على ان اسرائيل ما عادت تنظر الى الاردن كشريك للسلام وإنما كطرف ضعيف عليه ان يستقبل ( ركام القضية الفلسطينيية ) بعد تصفية جميع ملفاتها .بالاملاءات القائمة على توازن القوى المائل بقوة لصالح دولة الاحتلال .
اذا كانت هذه هي نظرة اسرائيل وتصرفاتها تجاه الاردن وهي جلية وواضحة لكل عين فما هي نظرة الدولة والحكومة في بلدنا لهذه العلاقات ؟ .
بصراحة ، كغيري من الاردنيين لا نفهم ولا نعرف سياسة بلدنا تجاه اسرائيل . هل هي علاقات أزمة ومواجهة أم انها سمن على عسل تعكرها مواجهات وتصريحات إعلامية لا تترك اثرا ملحوظا على مسار هذه العلاقات ؟.
هذه الحيرة في تشخيص ووصف هذه العلاقات دافعها ما يلي :
– لم نفهم قرار تبادل السفراء مع اسرائيل في ظل هذه الأوضاع الاخطر في تاريخ القضية الفلسطينيية والتي تمت خطواتها الاحادية من قبل أمريكا وإسرائيل في إطار مؤامرة القرن ( التي اشرت اليها في بداية هذه المقالة ) ومنها خطوتان تلحق تهديدا مباشراً للمصالح الوطنية الاردنية ١- الاعتداءات اليومية على الأقصى والعمل الجاري لتقسيمه على غرار ما جرى للحرم الإبراهيمي في الخليل . ٢- مسألة الاونروا التي تشكل ضغطاً اقتصاديا ومالياً مباشرا على الاردن خاصة بعد الإعلان عن ان الهدف من ذلك هو التوطين والغاء حق العودة .
– استقبال نتنياهو في عمان ، الذي سبق تبادل السفراء ، اعمال تتناقض تماما مع واقع ووقائع تحاول اسرائيل فيها فرض إملاءاتها بالغطرسة والقوة ومحاولاتها المكشوفة لتصفية قضية فلسطين وتصدير حلولها الى الخارج . واضيف الى هذه الوقائع الاغرب في السياسة والدبلوماسية في تاريخ العلاقات بين الدول ، ما يجري من عمل يومي لشق التراب الوطني الأردني من اجل تدنيسه بأنبوب غاز تسرقه اسرائيل من البحر المتوسط .
صفقة الغاز وأنبوبها المشين عار ومن يقل غير ذلك ليتكرم باطلاعنا على مفهومه للمصالح الوطنية وللوطن والكرامة . ان الحجج التي قدمها من وقّع على هذه الاتفاقية هي أقبح من ذنب وعلى هذه الحكومة التي انهالت علينا بتصريحاتها الشعبوية ان تلغي هذا الاتفاق . مثلما عليها واجب استرداد أراضي الباقورة والغمر من الاحتلال وانهاء هذه المهزلة قبل فوات موعد ابلاغ اسرائيل بمثل هذا القرار وهو موعد تفصلنا عنه ايّام .

—————
سأحاول هنا ان ابحث في جذور الموقف الأردني الرسمي الذي جعل العلاقة مع اسرائيل وكأنها علاقة استسلام بينما هي تستحق القطيعة والمواجهة !.
— هناك من يرى ان من الحكمة الانحناء امام ضغوط ترمب التي هي بالأساس ضغوط إسرائيلية ، لان الاردن وحده لا يستطيع ان يفعل شيئاً في ظل الوضع العربي المستسلم والمزري ، ولان الاردن اذا ما اغضب ترمب سيخسر ماله وديناره واقتصاده ، لان المساعدات الامريكية هي الأساس ، وهي الأكبر من الان ولمدة ٥ سنوات مقبلة ، ولان أمريكا وليس احد غيرها من يضمن حصول موافقات من صندوق النقد الدولي للحصول على قروض تساعد الاردن في مواجهة مديونية اوصلت الاقتصاد الوطني الى الحائط…. منطق اصحاب هذا الرأي ، انه ليس بالإمكان أفضل مما هو كائن .
— بالمقابل هناك من يرى بان تبني وجهة النظر السابقة خطأ استراتيجي فادح ، لان الاستسلام للامر الواقع بما يحمل من تهديدات تمس المصير الوطني بحجة مساعدات أمريكا المالية ، سيقود في المستقبل القريب او البعيد الى وضع يتم فيه تغيير الحدود وتهجير الشعوب والصاق هويات مستحدثة لها ، ( من يتوقع غير هذا يجهل الصهيونية وإسرائيل الكبرى والصغرى ) . ان العمل جارٍ فعلياً ، من قبل التحالف الشيطاني بين ترمب ونتنياهو على إلغاء فلسطين الجغرافيا والديموغرافيا على ركيزتين ( قرار اعتبار اسرائيل ،وما تحتها من أراضي محتلة ( الضفة والقدس ) ، دولة لليهود فقط ، الذي يهدف الى إلغاء هوية الشعب الفلسطيني في الداخل ونفي علاقته بأرضه ووطنه ، وقرار وقف تمويل الاونروا تمهيدا الى نفي حق العودة الذي يهدف الى إلغاء الشعب الفلسطيني في الخارج وعلاقته بأرضه ووطنه ) .
العمل جارٍ ، لمن يريد ان يسمع ويرى ويفهم، لتغيير الهويات في المنطقة . ان شعار الاردن هو فلسطين ،لا يهدف الى إلغاء فلسطين وهويتها العربية الفلسطينية فقط ،انما أيضاً الى خلق شعب جديد بهويات جديدة في الاردن ، لا هي أردنية ولا فلسطينية ، كما فعلوا في العراق وكما يسعون لتحقيقه في سوريا بقصة ( الكيانات والهويات ) المتصارعة والمتناقضة لتنعم اسرائيل بالهدوء الابدي .
اصحاب هذا الرأي الأخير يؤكدون بان الفقر والازمات المالية لا تلغي الاوطان انما يلغيها التنازل والاستسلام والجري خلف المكاسب الانية التي تتجاهل مخاطر المستقبل وتفتح ، باجتهاداتها الخاطئة وعزائمها المنهارة ، الأبواب للاجنبي والمحتل لاستعباد البلاد والعباد .
————-
يحزنني ما يجري في البلد من تعتيم مقصود او غير مقصود على الخطر الاخطر ، منذ قرن ، الزاحف من اسرائيل ومن أمريكا والذي لا يلحق الضرر المباشر الا بالشعبين ، الفلسطيني والاردني ، كل الدول العربية الاخرى تستطيع ان تتخذ المواقف التي تريدها من صفقة القرن ومن القضية الفلسطينيية ، سلبا او ايجابا بالقياس بمصالح انظمتها ، لكنها لن تتضرر مباشرة من هذه المواقف في هويتها وترابها الوطني بمثل ما يتضرر به الاردن … المواقف من فلسطين ، أصبحت مجرد بيانات انشائية في العواصم العربية ، لكنها في عمان او في رام الله غير مسموح لها ان تكون كذلك لانها بمواجهة اخطار مباشرة تمس بالصميم الوجود والهوية والمصالح الوطنية .
هنا أوجه انتقاد ،مجرد انتقاد، للتعتيم الإعلامي والسياسي الجاري على هذا الخطر ، ولا اريد ان اصدق ما يقوله البعض بان الهاء الرأي العام الأردني بالضرائب وبوضعه المالي والمعيشي هدفه سياسي ، وهوالضغط على الاردنيين للقبول بركام صفقة القرن وفتاتها ، بعد ان تنحدر أوضاعهم المعيشية الى الهاوية ، اي ان ما نحن فيه من جدل وشغب وطني فيه شبهة وجود ضغوط خارجية تهدف الى تدمير ثقة الشعب بدولته ومستقبله وفِي قدرته على مواجهة التحالف الصهيوني الامريكي .
———-
بصراحة اخيرة : علينا ان نعيد تعريف مصالحنا الوطنية الاستراتيجية هذا أولاً ، وثانياً علينا كدولة وشعب ان نقيّم الخطر القادم من اسرائيل وأمريكا حاضراً ومستقبلاً ، فإذا كان يستهدف ما يستهدف من أهداف تصدير الحلول ، فالمواجهة هي الأمثل وفِي أيدي الاردن والاردنيين من القوة الكافية ما يقلب الطاولة على العدو الاسرائيلي ، هذا اذا قامت الدولة باستنهاض العزائم وروح التضحية و بالاعتماد على الذات الذي يبدأ بكسر ظهر الفساد ليس ” بالتبعير ” من جيوب المواطنين انما بوضع رؤوس الفساد خلف القضبان واسترداد ما نهب من المال العام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى