العقل زينة

#العقل_زينة
د. هاشم غرايبه

هنالك نفر من البشر يتظاهرون بأنهم عقلانيون يبحثون عن الحقيقة ويؤمنون بالمنهج العلمي العقلي، لكن هؤلاء يمكنك تمييز صدق ادعائهم من عدمه في أنهم يتمسكون برأيهم مهما جئتهم بحجج وبراهين، ينكشف هؤلاء بأنهم مكابرون وليسوا باحثين عن إقناع عقولهم.
ان من يؤمن بذلك المنهج حقيقة، كَفتهُ تفاحة واحدة تسقط على الأرض لتقنعه بوجود الجاذبية الأرضية، ويقتنع بها بالعقل، من غير أن يدركها بالمدركات الحسية، ولا يكابر فيقول إنه لا يؤمن إلا بما يراه.
هنالك الآلاف من البراهين العقلية على أن القرآن الكريم كلام الله وليس من وضع بشر، لكن المكذبين مازالوا منذ أن نزل إلى اليوم يبحثون عن دليل ينقض ذلك ولا يجدون، لو كانوا صادقين أنهم يحتكمون الى العقل لكفاهم دليل واحد مثلما كفت “نيوتن” تفاحة واحدة للاقتناع.
إذا ليست القضية في صحة المحاكمة العقلية بل في رفضها بدافع المكابرة والعناد، لذلك لن ينفع البحث عن أدلة جديدة مقنعة أكثر لأن المسألة في رفض المبدأ.
المكذبون بالدين هم ذاتهم منذ نزوله والى اليوم، لم يتطوروا وما تغيروا، من مثل ذلك بحث قوم النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن دليل ليكذبوا ما جاء به، بعد إذ لم يقدروا على تكذيبه بشخصه، فدلهم أهل الكتاب من اليهود أن يسألوه عن أخبار الأمم السالفة، وقالوا لهم لو كان ما يقوله من عند الله لأخبره، فأنزل الله تعالى قصة أهل الكهف التي لم تكن معلومة لأهل الجزيرة بل لليهود فقط، لأنهم كانوا لا يسمحون للأغيار بالاطلاع على التوراة، ورغم أن ما طلبوه تحقق، إلا أن الطرفين: اليهود والكفار استمروا في الإنكار.
غير أن قصة أهل الكهف حملت إعجازا علميا لم يكن ليدركه الناس تلك الأيام، لكنه كان مكنونا لمستقبل الزمان حين يتقدم الإنسان علميا، وهو تقلب النائم في نومه، لأن وزن الجسم يضغط على الأوعية الدموية الموجودة أسفل الجسم الممدد، وتضيق فيقل مرور الدم فيها خاصة أن دفع الدم عند النائم يكون ضعيفا، لذلك ترسل مجسات خاصة إشارة الى الدماغ لتنبيه بالحاجة الى تروية دموية عاجلة، فيصدر الدماغ الى العضلات أمر حركة لكي تقلب الجسم الى عكس وضعه، ويتم ذلك عدة مرات في النوم الواحد، المهم في الموضوع أن قدرة العضلات عند النائم لا تكون كافية لتحريك ثقل الجسم، لذلك ترسل دفقات محددة الى عضلات محددة تكفي لتلك المهمة، ومن غير أن توقظه الحركة، فلا يفسد نومه، ولولا ذلك التقلب لماتت خلايا كثيرة في كل مرة ينام فيها الإنسان.
ولما كان أهل الكهف نياما وليسوا أمواتا فكان لا بد أن يتقلبوا، ولو قال تعالى إنهم كانوا يتقلبون كما يتقلب الأحياء لما أمكنهم ذلك، لأن الطاقة اللازمة لتحريك العضلات التي تتحصل للجسم من تفاعل الجلوكوز مع الأكسجين، لن تكفي مهما كانت كمية مخزون الجسم من الدهون والجلايكوجين، لأكثر من شهر، فكيف لمدة ثلاثمائة وتسع سنين؟.
لذا فلم تتقلب أجسادهم بذاتها، ولكن بقدرة الله تعالى المباشرة، فقال تعالى: “وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ”، ولم يقل كانوا يتقلبون.
وكان التقلب مرة الى اليمين ومرة الى الشمال، ليبقوا في مكانهم فلا يخرجون منه.
لأن ذلك المكان محسوب بدقة لتصله أشعة الشمس بقدر محدد كل يوم: “وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ”، فكانت تصل الى أجسادهم وقت الغروب وأشعتها باردة لا تسبب أذى لأنها ضرورية لمنع العفونة، وكانوا في فجوة من الكهف كافية ليتجدد الهواء.
كل تلك التفصيلات أوردها الله تعالى، رغم أن أهميتها لم تكن معروفة للإنسان زمن التنزيل، وذلك حتى لا يأتي في آخر الزمان من يكذب القصة بدعوى تفسخ الأجسام.
إعجاز آخر يكمن في تمكين الرشين في البذرة من البقاء حيا من غير أن يستهلك شيئا من الغذاء المخزن فيها، فقد وجدت حبات قمح في قبور الفراعنة، وحينما زرعت أنتشت وأنبتت قمحا، رغم أنها ظلت مخزنة سبعة آلاف سنة!!.
مصيبة المكذبين بالدين أنه رغم كل تلك البراهين العقلية فهم لا يؤمنون: “وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” [يونس:97].

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى