هذا الدواء لي / محمد العيسى

هذا الدواء لي

لا زال ذلك المربع الطيني بطبقات ” الزينكو” الخفيفة المهترئة صامدا رغم ما يهزه من بكاء اهله..هذا ما قاله الحاج ” فهيم ” ذلك الرجل الثمانيني الذي لا زال صامدا كما المربع او حتى أكثر صمودا ، وحيدا حيث انه فقد زوجته التي لم يزهر رحمها حتى بولد.
ذلك الرجل الذي سقى الوطن من شبابه وحاول جاهدا أن يموت شهيدا لأجله ولكن القدر ابى.. كان دائما يردد انا ابن الوطن ” البكر ” وابناء الوطن أبنائي ، وظل يرددها رغم الجوع رغم فتات راتبه التقاعدي رغم برد الشتاء وقطرات المطر التي لا زالت في كل شتاء تتسلل من ذلك السقف المهترئ وتوقظه من نومه وكأنها تقول له ليس العلة بالوطن فيصرخ قائلا : إذا فبمن؟؟؟ فتموت القطرة وتموت الإجابة معها.
ويستيقظ في كل صباح قبل الفجر ليهلل ويكبر ويدعو ويحمد الله ويستغفر على ما قاله بالأمس معاتبا نفسه وقائلا لها : ” ربك ما بنسى حدا ” ومن ثم يجلس على عتبة الباب ويترحم على جاره الذي مات منذ زمن قريب حيث كان يأتي اليه ببعض المساعدات التي نضبت بعد موته.
“الناس فوق بعض ” هذا ما يدور في رأسه عند زيارته الشهرية للمركز الصحي ليأخذ ادويته الشهرية ، فيخطط بأن يصلي الفجر ومن ثم يذهب الى المركز كي يكسب اولوية الدور ولكن لا جدوى حيث يصل واذ بالجميع قد صلّو الفجر ودعو للوطن واتو هالعين كي يأخذو أدويتهم التي تبقي بركتهم على قيد الحياة لاهجين بالدعاء للوطن كل يوم.
ويبقى على قيد الانتظار..متلق لاوامر الموظفين الذين يلعنون الوظيفة في كل صباح وما للعنة طريق الا المراجعين ، ويحاول الحاج فهمي ايصال شكواه لمسؤول المركز فيجيبه تلك الاجابة الروتينية ” زيك زي غيرك شو اعملك ” فيأخذ ورقة الى موظف ويرجعه بورقة الى آخر ويسير في هذه الدوامة الى ان تأتي المرحلة الأخيرة.. مرحلة استلام الجائزة مرحلة استلام الدواء اللعين الذي زادت حاجته اليه بعد عناء هذا اليوم.
يحظى بالدواء في آخر ساعة من دوام المركز ويذهب الى الخارج قاصدا ذلك المربع محاولا اخفاء قهر الرجال في عينيه ، فيصل الى بيته ويضع رأسه على وسادته باكيا حاله وهو يردد قائلا : انا ابن الوطن “البكر” وابناء الوطن أبنائي…

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى