من ذاكرة البدوي / 6 .. منصور ضيف الله

من ذاكرة البدوي / 6

لم يكن الأمر لعبة ، ليس تماما ، فأحيانا تختلط الحدود ، وتتداخل المعايير ، فإما الكبار فقد ينتصرون أو يهزمون ، وأما الفقراء فدائما يدفعون الثمن ، وهم بذلك يعيدون صياغة الحياة ، وإعادة تشكيلاتها ، وتلويناتها ، ويظلون يدفعون الثمن !!
رائحة الموت تنتشر في كل أحياء المدينة ، الصفرة تعلو الشوارع ، الصمت يغزو الحواري ، والهدوء يتسلل إلى البيوت . وحده الطفل البدوي يذرع الأمكنة دون رهبة ، ثمة رصاصات تئز على الصخرة المجاورة ، مجرد كرة ، لو تلقفتها بحنان ، وإعدتها بقوة إلى المرمى ، وصفق الحضور ، وانتشيت بخمرة النصر .

ليس تماما ، للجثث روائح ، ورهبة ، وثقافة ، والموت مجاني ، ونداء داخلي بالانتحار ، يقولون : الانتصار الأخير، في المعركة الأخيرة . والمعارك الأخيرة جميلة ، نهائية ، يتعانق فيها النصر والهزيمة ، وينفض الجميع الغبار ، تنتهي اللعبة ، إلا العربات الصدئة ، والرايات المهترئة ، والدم المسفوح وراء التلة.

في الحرب خيانات ، زوجة القائد تكسر قيدها الأخير وتسافر على عتبات الشهوة إلى ذروة الجندي ، ليس تماما ، فحمار الطفل لم يخنه ، هو أصلا لم يفكر في الخيانة منذ النهيق الأول ، حمل قربة الماء ، وعبر الرصاص والقسوة ، لم يتراجع ، أيتها الحمير كم انت وفية زمن الحروب .
الحصار هو العنوان الأبشع ، تقول الوالدة : أبوك محاصر ، لم أجد نفسي إلا دالفا إلى قلب الحصار ، التوتر ، واللهفة ، والمسافات البعيدة ، والموت المجاني . كأس عصير ، وثمة صمت ، بالضبط كلام قليل ، تتضاءل الفرصة ، وأخرج ، من حصار السياسة إلى حصار الغياب ، يبتلعني شارع المصدار ، يلقي بي عند أقدام أمانة عمان ، وأعود .
في الردهة الخارجية ثمة أنثى تتلهوج على نار الانتظار ، وثمة طفل يملأ الحضور ، أبوك ؟ تتساقط الكلمات وتذوب في الفراغ الممتد .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تتساقط الكلمات وتذوب في الفراغ الممتد …وتدخل زمن الانتظار ….
    في كل الحروب ينهزم الثابتون جدا ،وينتصر الخائنون جدا أما حطب المعارك.فهم الفقرأء ….والبؤساء …والضعفاء…وأخيرا المترددون …
    في كل جزء تبدع ..وتستمر روح الإبداع في التصاعد …وتأخذ القصة تجلياتها …وفي كل مرة نبارك لك الإبداع ونهنؤك بالجديد وننتظر المزيد …دام نبض قلمك .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى