من ذاكرة البدوي / 6
لم يكن الأمر لعبة ، ليس تماما ، فأحيانا تختلط الحدود ، وتتداخل المعايير ، فإما الكبار فقد ينتصرون أو يهزمون ، وأما الفقراء فدائما يدفعون الثمن ، وهم بذلك يعيدون صياغة الحياة ، وإعادة تشكيلاتها ، وتلويناتها ، ويظلون يدفعون الثمن !!
رائحة الموت تنتشر في كل أحياء المدينة ، الصفرة تعلو الشوارع ، الصمت يغزو الحواري ، والهدوء يتسلل إلى البيوت . وحده الطفل البدوي يذرع الأمكنة دون رهبة ، ثمة رصاصات تئز على الصخرة المجاورة ، مجرد كرة ، لو تلقفتها بحنان ، وإعدتها بقوة إلى المرمى ، وصفق الحضور ، وانتشيت بخمرة النصر .
ليس تماما ، للجثث روائح ، ورهبة ، وثقافة ، والموت مجاني ، ونداء داخلي بالانتحار ، يقولون : الانتصار الأخير، في المعركة الأخيرة . والمعارك الأخيرة جميلة ، نهائية ، يتعانق فيها النصر والهزيمة ، وينفض الجميع الغبار ، تنتهي اللعبة ، إلا العربات الصدئة ، والرايات المهترئة ، والدم المسفوح وراء التلة.
في الحرب خيانات ، زوجة القائد تكسر قيدها الأخير وتسافر على عتبات الشهوة إلى ذروة الجندي ، ليس تماما ، فحمار الطفل لم يخنه ، هو أصلا لم يفكر في الخيانة منذ النهيق الأول ، حمل قربة الماء ، وعبر الرصاص والقسوة ، لم يتراجع ، أيتها الحمير كم انت وفية زمن الحروب .
الحصار هو العنوان الأبشع ، تقول الوالدة : أبوك محاصر ، لم أجد نفسي إلا دالفا إلى قلب الحصار ، التوتر ، واللهفة ، والمسافات البعيدة ، والموت المجاني . كأس عصير ، وثمة صمت ، بالضبط كلام قليل ، تتضاءل الفرصة ، وأخرج ، من حصار السياسة إلى حصار الغياب ، يبتلعني شارع المصدار ، يلقي بي عند أقدام أمانة عمان ، وأعود .
في الردهة الخارجية ثمة أنثى تتلهوج على نار الانتظار ، وثمة طفل يملأ الحضور ، أبوك ؟ تتساقط الكلمات وتذوب في الفراغ الممتد .
تتساقط الكلمات وتذوب في الفراغ الممتد …وتدخل زمن الانتظار ….
في كل الحروب ينهزم الثابتون جدا ،وينتصر الخائنون جدا أما حطب المعارك.فهم الفقرأء ….والبؤساء …والضعفاء…وأخيرا المترددون …
في كل جزء تبدع ..وتستمر روح الإبداع في التصاعد …وتأخذ القصة تجلياتها …وفي كل مرة نبارك لك الإبداع ونهنؤك بالجديد وننتظر المزيد …دام نبض قلمك .