الشيخ / مصطفى وهبي التل

الشيخ
بدأت العمل في شبكة راديو وتلفزيون العرب قبل عشرين عاما، وقد التقيت الشيخ صالح كامل بعد بضعة أشهر عندما حضرت اجتماع للمسؤولين في الشبكة. أول ما لفت انتباهي في الاجتماع الذي عقد في القاهرة، هي الجنسيات العربية المختلفة التي كانت متواجدة في الاجتماع والتي جعلتني أفكر بأن الشيخ استطاع أن يحقق بسنوات قليلة ما عجزت عنه جامعة الدول العربية لعقود ألا وهو تجميع العرب وعملهم معا لإنجاز هدف واحد.الانطباع الثاني لي في هذا الاجتماع كان قمة تواضع الشيخ صاحب المليارات وبساطته وأحترامه للجميع.
تعددت اللقاءات مع الشيخ والمسؤولين في الشبكة بعد ذلك ولا أنكر بأن إعجابي بالشيخ كان يزداد بعد كل لقاء وبعد كل اجتماع بالرغم من اختلاف الرأي والفكر أحياناً. وكنت أتعجب بالفعل من مشاعر الأعجاب والتقدير التي أكنها للشيخ. فأنا الليبرالي القادم من غربة طويلة في أمريكا كان لي نظرة سلبية نحو اصحاب رؤوس الأموال وبالأخص نحو أصحاب المليارات من الخليج. المفاجأة الاخرى لي كانت نظرة الشيخ الإعلامية للمستقبل. هذه النظرة،برأيي، كان من المفروض ان تجعله يتربع على عرش الاعلام في العالم العربي دون منافس إلى يومنا هذا لو لم نخذله نحن العاملون معه في مؤسساته الاعلامية.
لا أستطيع ان أتحدث عن الشيخ صالح كرجل أعمال، فتعاملي معه خارج مؤسساته الأعلامية كان محدوداً ولا أعرف الكثير عن أعماله الأخرى. لكنني أعرف ان لديه شركات واستثمارات في عدة دول عربية وهذه الاستثمارات تعيل آلاف العائلات العربية. أعرف أيضا انه رائد البنوك الاسلامية في منطقتنا وأنه الرئيس والداعم الرئيسي لغرفة التجارة والصناعة في جدة والغرفة الأسلامية للتجارة والصناعة.
خارج نطاق الأعمال والأعلام أعرف الشيخ من خلال أعمال الخير التي ينفذها عبر مؤسسة اقرأ الخيرية. حقيقةً كنت أعتقد أن هذه المؤسسة فقط تشرف على قنوات اقرأ والتي تنشر سماحة الاسلام وعظمته في أنحاء المعمورة لكن وبعد زيارتي لادارة هذه المؤسسة اكتشفت ان قنوات اقرأ تستحوذ على جزء بسيط من امكانيات هذه المؤسسة العظيمة وان غالبية الامكانيات تستخدم لتنفيذ المشاريع الخيرية ومساعدة المحتاجين في العالمين العربي والأسلامي.
طبعا من السهل القول ان إعجابي بالشيخ وتقديري له يعودان لكوني موظفاً في احدى شركاته الاعلامية وأن شهادتي بالشيخ مجروحة ومنبعها مصلحتي وحرصي على وظيفتي لكنيلن أكتب ابداً عكس ما يدور في خلدي. أذكر أنه أثناء عملي كمدير انتاج لراديو وتلفزيون العرب في إيطاليا قام الشيخ بزيارة مركزنا للاطلاع على سير العمل ولقاء الموظفين والاطمئنان عليهم. واذكر أنني كنت مشغولاً جداً فلم استقبل الشيخ عند حضوره كبقية المسؤولين. ايضأ لم انضم لصلاة العصر التي حضرها الشيخ وكافة المسؤولين والموظفين المسلمين في المبنى. عرفت أنه بعد أنتهاء الصلاة همس (أحد اولاد الحلال) في أذن الشيخ بأنه لاحظ عدم وجودي في الصلاة ولا في الاستقبال مثل بقية المسؤولين! عند عودة الشيخ إلى المكتب الذي كان يستعمله، تلقيت اتصالا برغبة الشيخ بلقائي والتحدث معي. دخلت المكتب وألقيت عليه السلام وتبادلنا الحديث عن العمل والمشاكل التي كنت أواجها. بعد ان أنهينا موضوع العمل قال لي: “أخ مصطفى لم تكن معنا اليوم في الصلاة.” بصراحة تفاجأت من السؤال لكنني قلت له بكل صراحة: “يا سعادة الشيخ، أنا لا أصلي في العادة، وعندما أقرر بأن أصلي، ستكون صلاتي خالصة لوجه الله تعالي وليس من أجل الشيخ صالح.” (وهذا بالفعل ما فعله الكثير من زملائي الذين وقوفوا بجانب الشيخ في الصلاة دون أن اراهم يصلون من قبل). ضحك الشيخ وشكرني على صراحتي وخرجت من المكتب أكثر إعجابا به. سردت هذه القصة اليوم مثالاً على طبعي اللادبلوماسي في قول الحقيقة كما أراها. وأنا إن كنت قد ورثت شيئا عن جدي غير أسمه فهو بالفعل هذه الصراحة التي تعجب البعض وتبغض الكثير.
في النهاية لا أستطيع أن اتحدث عن توقيف الشيخ صالح كامل ولا التهمة الموجهه له. لكن أستطيع الحديث عن إيقاني بوطنية الشيخ وحبه للسعودية. هذا الحب الذي كان أحيانا مجال أختلاف بيني وبينه وبيني وبين أبنه محي الدين من خلال عملي في شبكة راديو وتلفزيون العرب. أكثر من مرة اختلفت معهما لعدم تمكني من رؤية فائدة للشبكة من بعض الطلبات التي كانوا يطلبونها من اجل السعودية. واذكر مرة كيف كنت مع بعض العاملين في الشبكة نعلق بأن الشيخ صالح صرف على أحتفالات العيد الوطني السعودي أكثر من الحكومة السعودية. ايضا اذكر اصراره على البحث دائما على الشباب السعودي للعمل معنا حتى لو كانوا أقل مستوى من غير السعوديين لأنه من وجهة نظره كان ذلك واجبه الوطني وكان يتقبل الخسارة المادية على أمل أن يتعلم الشباب السعودي ويتفوق في عمله. من ناحية أخرى لا يمكن لأي شخص إنكار دوره كمواطن يملك المال في توظيف هذا المال في وطنه الصغير السعودية وفي وطنه الكبير العالم العربي، بينمايستثمر الكثير من أثرياء العرب معظم ثرواتهم خارج الوطن العربي. برأيي أن الجريمة الوحيدة التي أقترفها الشيخ صالح والذي قارب على الثمانين هي حبه لوطنه السعودية ولوطنه الكبير العالم العربي، وإصراره على الاستثمار والعمل بهما مهما كلف الأمر. أعتقد أيضا بأن ايقاف الشيخ صالح هي ضربة موجعة لكل وطني سعودي، وإن كان الخوف يمنع الكثيرين من ابداء رأيهم والتعبير عما ما يجول بخواطرهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى