السياسات وليس الدين منبع كل هذه الوحشية (2)

السياسات وليس الدين منبع كل هذه الوحشية (2)

كتب .. طاهر العدوان

الانظمة العربية غير صادقة في الحرب على الارهاب لانها ترفض عن تعمد واصرار الاعتراف بان العلاج يبدأ بالالتفات الى شعوبها وزرع الوعي الحضاري في عقولها وسلوكها المجتمعي، وعي يستند الى رضى المواطنين عن حكوماتهم وزرع الشعور الجماعي الإيجابي بين صفوفهم ، لا بالشعارات الوهمية والكاذبة انما بالإنجازات والحريات والعدالة ، وعي باهمية بناء الاوطان بالعمل والإنتاج وليس ( بالسَرحان)، والتحليق في سماء الكوابيس وما تنتجه المخيّلات المريضة في اجواء صنعتها الانظمة من سلب للحريات وعدم احترام لعقول البشر.
الانظمة غير جادة او هي لا تريد عن عمد واصرار صناعة وعي يخلق شعوبا حرة منتجه تبني أوطانا لا لحودا . شعوب تنشد الحياة الأفضل وتدافع عن حقوقها وحرياتها وتعرف معنى التنافس بين الامم على مدارج الحضارة . انها لا تريد هذا الوعي الذي هو الحصانة الاولى ضد الارهاب لان الشعوب عندما تمتلك حريتها وأرادتها تدرك قبل حكامها بان المعركة مع الارهاب معركتها هي بالدرجة الاولى .الارهاب مشكلة داخلية في كل بلد عربي ومحاربته في اطار التحالف الدولي قد تكسب فيه الانظمة معركة ، لكنه لن يكسبها الحرب ضده فماذا تفعل الطائرات والجيوش امام ذئاب يتناسلون ولا تعرفهم الا عندما يبدأون بذبح ضحاياهم !.
الارهابيون نجحوا في ارهاب العقول وفي فتح سجلات البراءة لمن كان مسؤولا في الأساس عن كل هذا التوحش الذي يغزو بلاد العرب والمسلمين وبلاد العالم ، انها السياسات وليس الدين منبع هذه الوحشية ..تحت ارهاب العقل ومسلسلات التفجير وجز الاعناق لم يعد هناك من يهتم بالبحث عن السياسات التي قادت الى هذا التوحش . الارهابيون وليس غيرهم من يفتح اليوم سجل البراءة للاحتلالات والاستبداد والفساد والديكتاتورية . حتى ان احدا لم يتوقف عند تصريحات لافروف الاخيرة التي قال فيها بان امريكا تتحمل مسؤولية وجود داعش لانها حلت الجيش العراقي ولاحقت ضباطه بالسجن والاقصاء لينضموا اخيرا الى داعش .
عندما يتم ذبح راهب ، وقطع رأس امرأة ، ودهس عشرات الأبرياء العزل حتى الموت ، وقتل العشرات يوميا بتفجير سيارات الموت في شوارع بغداد فان جهات عديدة إقليمية وعالمية تستغل هذا التوحش لصرف أنظار الراي العام عن اهمية البحث في اسباب الارهاب وحواضنه بالقول بان كل اسباب الدنيا لا تبرر هذه الجرائم الوحشية التي لا سند لها في دين وقانون ولا في خُلق بشر .
صحيح ان لا الظلم ولا حروب الاخرين تبرر هذه العمليات الوحشية ، لكن لا بد من البحث في أساس هذا البلاء والنظر في البيئات السياسية والاجتماعية والثقافية الراعية له من اجل الوصول الى العلاج الشافي والنافع . ، الارهاب مشكلة عربية داخلية ، انه قضية اصلاح سياسي مجتمعي مفقود في جميع بلاد العرب … مشكلة تتمثل بغياب وجود انظمة عصرية بثقافة إنسانية وحضارية . ما هو قائم يضع فكر الشباب ووعيهم في طريق مسدود فلا خيارات فكرية وسياسية متاحة أمامهم بمآلات آمنة وسلمية يستطيعون الاصطفاف من خلالها في تعددية حزبية او فكرية تُضلها وترعاها حياة ديموقراطية ، شرعيتها ارادة الاغلبية الحرة عبر صناديق الاقتراع .
تعدد الخيارات وإتاحتها امام الشباب في النظام السياسي تمنحهم الفرص في الطرح العلني لما في عقولهم من أسئلة وتساؤلات تخص دورهم ومستقبلهم وأوطانهم وشؤون حياتهم ، لانه بغياب هذه الخيارات وانعدام هذه الفرص في ظل مجتمع الدولة الأمنية والحزب الواحد والحاكم بأمره تنشأ الطرق المسدودة في المجتمع حيث ينشط الغضب خلف الصدور ويتفشى الشعور بالفشل والاضطهاد بين الشباب ومن ذلك يصطاد الارهابيون ذئابهم . الحرب ضد الارهاب مواجهة داخلية وحرب المعلوم على المجهول انها حرب قيم يتعلمها الأحرار في مناخات الحرية .
اما عن القوانين الانسانية اثناء الحرب فمصادرها جاءت من كل الأديان وليس من دين دون غيره ، الرحمة والمغفرة والعفو كلمات تتكرر في جميع صفحات القرآن الكريم فابعدوا الاتهامات عن الدين ووجهوها للسياسة . ان الزعم بان نبع الارهاب هو في النصوص المقدسة تجديف وضلال . ابحثوا بدلا عن هذا في كيفية اقامة دساتير تصنع انظمة حرة تصوغها ارادة الشعب لا دساتير تصنعها الانظمة بعيدا عن ارادة الامة .( دساتير تصنع فيها الشعوب برلماناتها لا برلمانات تضع دساتير لمصالح فئات دون غيرها ).
اخيراً هناك مبالغة ، وجزء كبير منها متعمد عندما يتم تصوير الأوضاع المأساوية في الشرق الاوسط بانها نتيجة صراع بين اسلام معتدل واسلام متطرف ، بين اسلام واسلام ، وكأنها قضية خلاف فقهي . الارهابيون يريدون ذلك لجر الشعوب والعالم الى حروب دينية يعتقدون انهم من خلالها سيحققون هدفهم باقامة دولة الدم والنار و تنظيمات الكراهية والانتقام ، والواقع ان خصومهم ينساقون الى نفس المربع بتصوير الصراع بانه ديني وهدفهم ابعاد القضية الكبرى عن الأنظار ..
انها قضية شعوب لم تعرف طعم الحرية والكرامة ، يقاد ابناؤها الى الظلام ، الى عمى البصر والبصيرة في ظل توطن الاستبداد والفساد والاحتلال والديكتاتوريات وكلما حاولت رفع رأسها ديست رقابها بالاقدام . عن هذه العلاقات بين الدين والسياسة أردد قول الشاعر :
لا تسألني ان كان القرآن مخلوقاً او أزليا …….بل سلني ان كان السلطان لصاً او نصف نبي .

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى