سوس على مهلك سوس / يوسف غيشان

سوس على مهلك سوس

هل تعطف عليه جاذبية نيوتن، فتجعل حمله أخف وزنا؟؟ أم ان وهج عزيمته يتغلب على الجاذبية الأرضية ويطوعها مثل (أطلس) الذي يحمل قبّة السماء على كاهله، من الأزل الى الأبد عقوبة أو حرصا على الكائنات من الضياع في سديم الكون؟
سوس.. تمر هندي.. خروب وخلافه من المشروبات ، يحملها في دورق عملاق مكتظ بقطع الثلج فوق ظهره ويتجول في الأسواق لرفادة العطاش وأبناء السبيل. يتناول الكأس في يده .. ينحني فينزلق السائل البارد مثل شلال من الفرح ، يتناول زجاجة صغيرة تحوي مادة معطرة ومنكهة ينثّ منها القليل فوق الكأس … يناولك إياه بنشاط وثقة حتى ترتوي قبل ان يتلاشى السائل الطيب الذي حصلت عليه بقروش قليلة.
طربوشه الأحمر .. جبته المزركشة وبنطاله الفضفاض وابتسامته الدافئة تجعل السوس أكثر حلاوة والتمر الهندي اكثر اشراقا والخروب أكثر لمعانا. اشرب كأسه مع انحناءة ورشة عطر وابتسامة… فتهزم العطش .
كتل قاتمة مائلة الى السواد ينقعها الرجل بالماء ليلة كاملة ، ثم يعصرها ويصفّيها بالشاش الأبيض حتى تخلو من الشوائب ..ربما يضيف اليها بعض السكر والمنكهات ، ثم يعبئها في دورقه العملاق ، ويمشي متثاقلا مثل سيزيف الذي حكمت عليه آلهة الأولمب- حسب الأساطير اليونانية- بحمل الصخرة الى قمة الجبل ، فتهاجمه النسور أثناء صعوده حتى تأكل كبده وتسقط منه الصخرة فيعود ليحملها من جديد .. وهكذا الى الأبد.
الناس أكثر رحمة وإشفاقا من آلهة الأولمب ، وها هو الرجل يتخلص من ثقل احماله رويدا رويدا بعد ان يشربها الناس ، فيعود الرجل سعيدا بالتخلص من حمله الصعب الذي تحول الى قروش ودنانير تؤمن حليب الأطفال وخبز العائلة الحلال.
في اليوم التالي يحمل صخرة سيزيف مرة أخرى . هو يعرف بأن الحياة أكثر شراسة من ان تسمح لنا بالتوقف للراحة ، وإذا توقفنا رغما عنها تدوسنا بعجلا تها العمياء.
أيتها الحياة!!
كم انت قاسية
كم انت متعبة
كم انت شقية
كم انت جميلة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى