رفيقي … آخر القول / منصور ضيف الله

رفيقي … آخر القول

مرة ثانية ، وثالثة ، وألف ، ….. قطعنا شوطا طويلا ، حملنا دمنا على أكفنا ، أسترقنا من الزمن ما تعرف ، ومضينا . كان الشوط طويلا ، ومرهقا ، وبلا خيانة . وكنا نعرف حجم الصعوبات ، وعمقها ، وخطورتها ، بعض الأمسيات تعمدت بالدم ، والفجيعة والخوف . صرت جزءا منك ، وعرف الجميع ، وثار الجميع ، وصبرنا وصمدنا . توشحت صورتي بصورتك ، غابت التفاصيل ، لم يعد لها وجود ، بقي شيء واحد : نحن .
منحتك ظهري ، كنت على ثقة بوجود حزام ، برفيق درب ، وغيمة أمن . وما دريت وما عرفت ، إلى أن جاءت الطعنة موغلة بالأثم والغدر ، بلا ثمن ، ودون مسوغ ، وتناثر دمي على براءتك ، وتوشح بياضك بقعا داكنة ، لا يزيلها مزيل ، ولا يبررها مبرر ، ولا يحاج فيها محتج . كنا نعبر الدرب وحيدين ، بكل ثقة ، نحمل سلاحينا ، نتحامى ونمضي ، الى أن شعرت بنصال غادر يتكسر على عشرات أخر ، وسقطت . مددت يدا مرتعشة ، كنت أحوج ما أكون لإسعافك ، لبعض دوائك ، وكانت الروح تناجي وتستغيث ، مسحت كفيك من نثار دمي ، نثارك لو تأنيت قليلا ، سكبت تلك الليلة خمرة لذة ، ودنان قربان ، كنت أغرق بموتي وكنت تغرق بموت آخر . ضاقت الدرب ، تلاشت صفوف الشجر وصنوفها ، وامتد الفراغ من أفق ضيق الى عوالم من مديات بعيدة . لست ألومك ، ولست أعاتبك ، ولست أجزع . الأمر لم ينته بعد ، ولن ينتهي ، سيطول كثيرا وطويلا ، وستحين محطات صعبة ، ولحظات حالكة ، وسيحمل كل قدره ، عرضان كبيران : أمام الملأ ، ويوم تحدث أيديهم وأرجلهم . ولكني أسأل وقد زاغ النصال ، وانحرفت البوصلة : لم كل هذا ، ألم نشبع معاناة وألم على مفارق العمر ودروب الحياة ، الم تستهلكنا غربات وغربات ، وهل نحتاج مزيدا من جنون ، من يعبث فيما لا يعبث به ، ويبيع رخيصا بغال . الاف الاسئلة لم يحن وقتها ، وقليل الاجوبة لا تكفي .
صدقني يا رفيقي أحبك ، أثق بفكرك ، بوعيك ونضالك ، وسأظل أحبك ، ولكن من يجمع نثارات الزجاج وقد غطت ليالي الجنوب ومساحات الشمال ، وتاهت كسره على أرصفة عمان ، وليس لي ولا بمكنوني ان اجمع شظاياه ، كيف لي ، ومع كل شظية تاهت ذرة ثقة ، وضاع مثقال كرامة ، وانتهكت حبة شرف ، كيف لي وأنا بدوي من ديرة ” بعيدة ” ، لا أحتمل ” ضيقة ” القرايا ” ، وخشونتها ووعورة أخلاقها ، كيف لي وقد أثقلت كاهلي المواجع والسنون ، ورمتني غربة قاحلة وانا المسكون بالغربة منذ ولدت ، كيف لعيني ان تلامس عينيك وثمة أطياف غريبة تلوح ، ولأذني ان تصافح شفتيك وقد استهلكتها الليالي السود ، ولشهقة دهشتك وقد راحت أدراج الرياح .
لست ألومك ، ولست أعاتبك ، ولن أزيد عذابك ، او أجرح مشاعرك ، فقط فكر بقوة الطعنة وخفتها ، وحجم الدم ، عندها ستعرف أني سأبدأ روايتي الثانية ، وستكونها أنت ، بلا تلاوين ، ولا منكهات ولا مجاملات ، أنت أنت ، كما شاء لك ربك ، وشئت لنفسك . ، رفيقي ، والسلام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى