سواليف
: لا يعفي الانشغال الرسمي والأمني الأردني بالتحوط لمنع دورة جديدة من «حراك الدوار الرابع» حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز من تلك الاستحقاقات التي بدأت تحيط بالتجربة برمتها خصوصاً بعدما زاد منسوب ضغط ملف الضريبة على العصب الحيوي لدوائر القرار. وعلى نحو أو آخر يبدو الرزاز «واثقاً أكثر» من خطواته المنهجية ويتحرك ضمن رؤية إستراتيجية يقول حتى انصاره المتحمسون لها انها لأسباب مفهومة لا تزال»زاحفة».
الأحد كان واضحاً ان الرزاز يحاول وهو يتحدث للجمهور مباشرة في مقر الجامعة الأردنية تحديداً رداً على الأرجح على ما حصل في جامعة آل البيت السير في اتجاه طريق «ملغوم» قوامه «طمأنة» مراكز القوى في الدولة والقرار والشارع الشعبي في الوقت نفسه. وتبدو مهمة مستحيلة عملياً وإن كان الرجل نفسه يصفها بأنها «صعبة» فقط خصوصاً وان خمسة من طاقمه الوزاري على رأسهم نائبه رجائي المعشر وبينهم وزير الحقيبتين وليد المصري ووزير التنمية السياسية موسى المعايطة يدفعون في اتجاه نقل «أزمة ملف الضريبة» وبأسرع وقت ممكن لأحضان البرلمان.
الفكرة التي يبدو ان الرزاز يؤمن بها عملياً تحاول إنتاج مشهد متوازن بين «متطلبات الوظيفة» وحسابات الدولة وبين احتياجات الشارع. والرجل يخوض المغامرة الأكبر عملياً وهو يحاول إثبات نظرية تقول بأنه يستطيع «الظفر في الحسنيين» بمعنى إقناع الدولة ومركز القرار بتوفير فرصة لعامين على الاقل حتى يثبت نجاح أو فشل برنامجه بالخصوص وملاعبة الشارع الشعبي وتخديره بجرعات تنفيذية من الأمل.
ألقى محاضرة مثيرة للجدل… ويؤسس للمغامرة: «لا أنسحب ببساطة»
ورغم صعوبة مثل هذه المهمة المجازفة إلا ان الرزاز يمتلك ورقة رابحة لا يمتلكها من سبقوه في موقع الرئاسة فهو ينظر له وسط المقربين منه بصفته رئيس الوزراء الذي لا يتمسك أصلاً بالبقاء في منصبه ومن الصنف الذي يستطيع ببساطة مغادرة الموقع وبدون أي لحظة ندم. وبمعنى آخر الرزاز رجل متحرر من عقدة البقاء في الموقع وعقدة ضرورة «إرضاء الدولة والشارع» معاً أو منفردين وليس من النوع الذي تغريه النجومية فهو «كاسب» بكل الأحوال على الاساس التالي: إذا أقنع مركز القرار بالبقاء سيكسب ويقدم للجميع منتجاً جديداً وإذا أخفق وأرضى الشارع سيتحول إلى «شهيد وبطل».
الكاتب المسيس محمد ابو رمان قال بأن الرزاز «رجل دولة» وليس من النوع الذي يستسهل التلويح بـ»إستقالة»رابطاً بين المتحدثين عن الاستقالة وخصوم الرجل فيما الوقائع على الارض تشير إلى ان خصوم الرزاز الكثر في النخبة والأروقة الكلاسيكية حريصون بشدة على ان لا يسمحوا له بإستقالة تكرسه رمزاً في البعد الشعبي. تشخيص ابو رمان قد تعوزه بعض القناعة في محيط الرزاز بأن خيار «الإنسحاب «ممكن وهو ما قاله الرئيس علناً عندما اعلن: «لا أنسحب ببساطة والتلويح بالإستقالة شائعة». لكن الوقت مبكر لأن السؤال هو: عن اي نوع من الإنسحاب ومتى يتحدث القوم؟
وبالتالي يمكن القول بأن المغامرة تتمثل في تهيئة ظروف تسمح أو تمنع إنجاز الأجندة التي اختير الرزاز أصلاً من أجلها. هنا يبدو واضحاً ان خيار رئيس الوزراء المثير للجدل طبعاً عدم الإنسحاب ومبكراً بصفة خاصة لكن في لحظة الصدام وتخلي المؤسسة عن التجربة لا يعود الأمر «فارقاً» بل بمعنى أدق «لن يخسر الرجل شيئاً».
تنتقل المسألة من مستوى المغامرة إلى المقامرة المسيسة شرعاً عندما يتعلق الأمر بما يرشح من أضيق الدوائر المقربة من رئيس الوزراء الذي لم يكمل بعده يومه الـ100. هنا حصرياً ورغم نقد الخصوم والأنصار لتكتيك المواجهة والعمل اليومي ثمة أولويات في ذهن الرزاز خبير «الإكتواريات» العلمي المنظم أولها وأهمها بعد الحظوة الواضحة بـ»ثقة القيادة» تحصيل الغطاء المرجعي لثقة مرجعية في البرنامج وليس في شخص رئيس الوزراء فقط. تلك طبعاً مسألة تتأثر بظروف إقليمية وسياسية مفتوحة الاحتمالات. لكن الرزاز لا يزال يشعر بأن «طمأنة» المرجعيات مهمة غير ممكنة باللغو والكلام فقط بل بالعمل والإنجاز الميداني، الأمر الذي يفسر الابتعاد مرحلياً عن الملفات التي يمكن أن تثير الغبار المبكر والانشغال بتوسيع مساحة «الفرصة والوقت والصلاحيات».
ذلك ينقل التكتيك للخطوة التالية وهي «الاستثمار» في الصورة الشعبوية لإبقاء الحكومة «متصلة ومتواصلة» مع الرأي والعمل هنا مكثف عبر تقنية فريدة ابتكرها الرزاز وتمثلت في بناء صورة «رئيس الحكومة المتواضع» الذي يسأل الناس مباشرة في الحافلة وعلى الرصيف وعند كشك الكتب وقرب حظائر الأغنام. لاحقاً يصبح التمكن من تثبيت الخطوتين مركزاً لإنطلاق خطبة ود «الدولة العميقة» وتبديد هواجسها وعلى أساس ان حكومة مدنية ميدانية لن تقود إلى «إنقلابات» بقدر ما ستجدد الروح في دماء المؤسسات. وقد لا يقتنع التيار المحافظ او المرتاب والمتحفظ بنظرية الرزاز .
لكن الحاجة الملحة لمنع نسخة ثانية من حراك الدوار الرابع والظرف الاقتصادي العام مع الإقليمي وصعوبة الخوض بتعيين رئيس جديد عناصر في المشهد العام تدفع رموز التيار المشار إليه للصمت او الترصد فقط إلى ان يتعثر الرزاز تلقائياً، الأمر الذي قد لا يحصل ببساطة لأن الرجل لا يتميز بأي «نزق» ولا يتمسك اصلاً بالموقع ويؤمن بمنهجية «الخدمة العامة».
تلقائياً تبرز هنا أهمية حرص الرزازعلى تجنب «خوض صدامات وصراعات» مع مراكز قوى يمكن ان تضعف حكومته وتسمح بإلتهامها ببساطة. ولذلك يشعر المتحمسون للرزاز بانه «بطيء جداً إلى حد الزحف» في الملفات الاصلاحية الكبيرة والمهمة أو على الاقل «لا يستغل» كما ينبغي الفرصة التي توفرت. والرجل يريد أن يسارع في الإيقاع على الارجح بعد»التمكين» الذي بدأه بالشارع ويحاول تحويله إلى إرادة سياسية شاملة الآن بناء على قناعة داخل مؤسسة القرار…ذلك على الأرجح منطوق وجوهر خطابه المثير مساء الاحد في الجامعة الأردنية. (القدس العربي)