الدكتوراه بين الحقيقة والوهم . . ! / موسى العدوان

الدكتوراه بين الحقيقة والوهم . . !

برزت في السنوات الأخيرة وبصورة ملفتة للانتباه ظاهرة ” حاملو شهادة الدكتوراه “، بحيث أصبحت تسيء لهذه الدرجة العلمية العليا. فشهادة الدكتوراه تعتبر أعلى درجة علمية يمكن أن يحصل عليها طالب العلم في تخصص معين. ويجري منحها كما هو معروف، لمن أحرز درجة البكالوريوس والماجستير، بعد أن ينجح في البحث الذي أعده في جامعته لمدة لا تقل عن سنتين.

تجري مناقشة البحث حضوريا من قبل أساتذة متخصصين في الموضوع لتقييمه، وإذا ما حصل الطالب على موافقتهم ونجح في بحثه، عليه أن يتقدم بشهادته إلى وزارة التعليم العالي في الأردن، للاعتراف بها بصورة رسمية.

وهنا لابد من طرح التساؤلات التالية : هل حاملو شهادة الدكتوراه أكثر علما وكفاءة من المثقفين الذين لا يحملونها ؟ هل يشترط برجال السياسة والمفكرين والإعلاميين التسلح بشهادات الدكتوراه لإنجاز أعمالهم ؟ وهل يتساوى حاملو شهادات الدكتوراه في الفكر والثقافة والمعلومات بنفس الدرجة ؟

مقالات ذات صلة

لقد ظهرت مؤخرا جامعات أشبه بالمولات التجارية، تبيع شهادات الدكتوراه بأبخس الأثمان. ويستطيع أي شخص يملك المال أن يشتريها ببساطة خلال بضعة أسابيع، مرفقا بها كشف علامات مصدق ومختوم من الجهات الرسمية في بلد المنشأ. وفضلا عن ذلك تقدم تلك الجامعة شاهدة، بأن حاملها قد أمضى السنوات المقررة في أحضانها على مقاعد الدراسة ، رغم أنه لم يغادر منزله.

هذا ما يجري غالبا في بعض الجامعات الأجنبية، التي تعاني بلادها من الفوضى أو المستوى العلمي المتدني، مقابل أن يدفع الطالب مبلغا من المال، يتراوح بين 2000 – 5000 دولار للشهادة حسب مستوى الجامعة. أما في بعض الجامعات المحلية فقد يتم منح تلك الشهادة، من خلال التساهل مع الطالب وعدم إجراء التقييم الصحيح لبحثه العلمي مراعاة لنواح عاطفية أوإنسانية.

ومن ناحية أخرى، يدرس بعض الطلاب ذوي العلامات المتدنية والمؤهلات الأدبية، تخصصا علميا هاما كالطب مثلا في إحدى الجامعات الأجنبية. ويعود إلينا بعد سنوات طويلة بشهادته العريضة مدموغة بالأختام المتعددة، ليمارس علومه الطبية الضعيفة على أجسادنا، دون اهتمام بما ينتج عنها من أخطاء طبية قاتلة ؟ وهكذا في بقية التخصصات.

لا شك بأن هناك من يحملون شهادات الدكتوراه بجدارة، من جامعات أجنبية أو محلية عريقة وبجهد حقيقي، وهؤلاء يستحقون الاحترام والتقدير. ولكن هناك من يحملون تلك الشهادات دون أن يبذلوا جهدا علميا رصينا، بقصد خداع المسئولين والحصول على وظائف حكومية أو خاصة، أو للوجاهة والتغلب على شعورهم بعقدة النقص. وقد أظهرت الإحصاءات الرسمية لعامي 2013 و 2014 وجود 500 شهادة مزورة. كما بينت نقابة المهندسين الأردنية أن هناك 1300 شهادة هندسة مزورة، جرى التعامل مع كل تلك الشهادات وتصويبها في حينه.

في حصوله على شهادة الدكتوراه بالعلوم السياسية من جامعة لندن يقول الدكتور غازي القصيبي وأقتبس: ” بعد ثلاث سنوات من الدراسة والتحضير، عن الأوضاع السياسية باليمن في ذلك الوقت، قرَرَتْ الجامعة أن يمتحنني أستاذان متخصصان هما، المشرف الداخلي على بحثي الدكتور بيرتون، والممتحِن الخارجي البرفسور فانيكوتس. وبعد ساعتين من جلسة الامتحان، كانت الأولى منهما حورا بين الممتحِن الخارجي وبيني، وكانت الثانية نقاشا بين الممتحنيْن نفسيهما،حيث طُلب مني الانتظار في الخارج.

إذا اختلف الممتحنان، هل يسقط المرشح أم ينجح ؟ كان هذا هو السؤال الذي عذّبني على مدى ثلث ساعة بدت وقتها دهرا. خرج الأستاذان وصافحني بيرتون وهو يبتسم – لم أره قبلها يبتسم – ويقول مبروك يا دكتور. صافحني الممتحن الخارجي بدوره وهو يقول : تستحق التهنئة، هذه أول رسالة دكتوراه أجيزها منذ فترة طويلة، امتحنت في الشهور الماضية خمسة مرشحين لم ينجح منهم أحد. لم أملك إلا أن أشكره وأقول : من حسن الحظ أني لم أعرف هذه الحقيقة إلاّ الآن .

يا دكتور . . ! لقد وصل اللقب السحري . . ! هل شعرتُ بنشوة وأنا استمع إليه لأول مرة ؟ هل شعرت أني ودعت إلى الأبد مرحلة الدراسة، كما قال زميل حصل على هذه الدرجة ؟ كان هناك بطبيعة الحال قدر من السعادة، لأن هدفا هاما وضعته نصب عينيّ قد تحقق. إلاّ أنه لم يكن هناك أي نوع من أنواع النشوة. كنت ولا أزال أرى أن شهادة الدكتوراه، لا تعني أن حاملها يمتاز عن غيره بالذكاء أو الفطنة أو النباهة، فضلا عن النبوغ أو العبقرية. كل ما تعنيه الشهادة أن الحاصل عليها يتمتع بقدر من الجلَد ولإلمام بمبادئ البحث العلمي.

الهالة التي تحيط بحاملي لقب الدكتوراه خاصة في العالم الثالث، وتوحي بأنهم مختلفون عن بقية البشر، وهم لا أساس له من الواقع. قابلت عبر السنين عددا لا يستهان به من حاملي الدكتوراه اللامعين، وعددا مماثلا لا أزال حائرا لا أعرف كيف حصلوا على الدرجة، وأستغفر الله من سوء الظن “. انتهى الاقتباس.

أعلم أن في بلدنا عددا كبيرا ممن يحملون لقب ” دكتور ” بجدارة من جامعات شهيرة، ولهم منا كل التقدير والاحترام. ولكن لديّ كما لدى غيري من المواطنين، شعور بعدم القناعة بأهلية بعض من يحملون هذا اللقب. وأكاد أجزم بأن بعضهم لا يستطيع كتابة مقال مقنع وبلغة عربية سليمة في أي موضوع، أو يبرعون في مجال تخصصهم الفني. وإزاء هذه الحالة التي تشكل إساءة كبيرة لتلك الدرجة العلمية العليا، فإنني آمل من وزارة التعليم العالي أن تطبق النواحي التالية :

1. التشدد في الاعتراف رسميا بالجامعات الأجنبية والمحلية، بعد التأكد من مراعاتها لتطبق المعايير الصحيحة في المناهج والمساقات وأساليب التدريس، ومنح الشهادات الجامعية على اختلاف أنواعها.
2. التدقيق في صحة الشهادات المنوحة لخريجي تلك الجامعات من الأردنيين، وبما يتطابق مع المعايير الموضوعة من قبل وزارة التعليم العالي.
3. هذا التقييم ينسحب على حاملي الشهادات الجامعية في الدرجات الثلاث، سواء كانوا سيعملون في القطاع العام أو القطاع الخاص، للتأكد بأن حامليها يستحقونها بجدارة حفاظا على هيبة الشهادة.
4. نشر البحث الذي منح الطالب على أساسه شهادة الدكتوراه في وسائل الإعلام، للتأكد بأن حاملها يستحقه بجدارة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى