نهاية شعب شجاع !! / هبة إميل العكشة

نهاية شعب شجاع !!
لم أَكُن يوماً من مُتابعي برامج الإذاعة الصباحيّة, لأني لم أَكُن أحبّذ أن أبدأ نهاري بالاستماع إلى شكاوى الناس وهمومهم وبذلك أكون قد بدأت نهاري بجرعة من النكَد… إلى أن كَبُرتُ و أصبحَ لي همومٌ مثلهم تماماً و بِتُّ أنتظرُ البرنامجَ الصباحيّ بفارغ الصبر لأستمع لأشخاص يشاركونني الهمّ نفسه. أحياناً كثيرة لا يجد المتّصلُ علاجاً لمشكلته, لكن “الفضفضة” بحد ذاتها علاج و لو كان مؤقتاً, ونحن باستماعنا لتلك الاتصالات أيضاً نكتشف أننا لسنا الوحيدين ويَصغُرُ همّنا قليلاً.

من المتعارف عليه في أغلب البرامج الإذاعية الصباحية – و التي يكون الجزء الأكبر منها هو شكاوى المواطنين – تخصيص يوم الخميس لطرح موضوع مَرِح, والاستغناء عن فقرة شكاوى المواطنين. لكن ما حدث قبل بضعة أسابيع هو أن قاطع أحد المواطنين حلقة الخميس “المُبهِجة” ! صوتُ المواطن الموجوع أَجبَر المذيع على تغيير سَير الحلقة, ذلك أنه يعلم أن أيام الأسبوع جميعها لم تعد تتسّع لهمومِنا… التزم المذيع الصمت, وأكمَلَ المواطن حديثه عن الغلاء والديون والضرائب… أصبح صوتُ الألم أوضح, وتلك التنهدات علا صوتها … وبعد التنهيدة الأخيرة انقطع الاتصال…. لحظات صمتٍ قاطعَها صوتُ موجوعٍ آخر ” ألو… صباح الخير أستاذ …”
أذكر ذلك اليوم أنني تعبت كثيراً وشعرت بأنه لم يعد لدي طاقة لأُكمِل نهاري .. لم تُتعبني الشكاوى- اعتدنا الشكاوى- أتعبني صوتُ الانكسار!!
لم أعتد رؤية الأردني منكسراً وعاجزاً… فأنا لم أعرف الأردني سوى “مرفوع الهامة” … لم أعرفه سوى بطلاً يدافع عن ثرى هذا الوطن؛ منذ الثورة العربية الكبرى حتى أحداث قلعة الكرك لم يتوانَ الأردنيون يوماً عن تقديم أرواحهم فداءً للوطن… لم أعرفه سوى الأردني الصّبُور المخلِص الذي وقف مع وطنه في الضيقات.
ما الذي أَوصلَ المواطن الأردني إلى هذه الحال ؟؟ لماذا تحاولون بكل ما أوتيتُم من قوة أن تكسروا من بنى هذا الوطن؟ أهكذا يُكافَأ الشعب الذي قَبِل أن يدفع فواتير فسادكم مقابل دفع الأذى عن وطنه ؟؟ يكافأ بمزيد من الضرائب و الجوع و البرد !! قولوا لي كيف سيَبْنِي المواطن بلدَه بعد اليوم ولا شيء يشغل بالَهُ سوى الوجبة التالية التي سيقدّمها لأطفاله, ومخالفةُ السير التي “لم يرتكبها” لكنه مجبرٌ على دفعها, والوقود الذي يرتفع سعره كل شتاء… كيف يأمل بمستقبلٍ أفضل في وطنٍ يكافَأُ فيه السارِق وتوزّع فيه المناصب بين أفراد عائلات محددة !!

قال المغفور له الحسين بن طلال “قُدرَة الدولة على البقاء لا تقرّرها المساحة أو عدد السكان، بل إرادة شعبها وإيمانه ببلده، وتصميمه على جعل حياة أبنائه جديرةً بأن تُعاش”. الأردن صامدٌ -إلى الآن- بعزم وإرادة أبناءه … فلا تستنزفوا ما تبقّى لهم من إرادة !! لا تُخَيّروهم بين الوطن والكرامة… لا تخيّروهم بين الانكسار والانتحار !!

hebaakasheh07@gmail.com

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى