ديناميات الحياة الدولية والمستقبل / وليد عبد الحي

ديناميات الحياة الدولية والمستقبل

في باطن المجتمع الدولي اتجاهات كبرى تترسخ بشكل واضح ، لكن الاحساس بها أقل من الاحساس بالأحداث الصاخبة،فهي اشبة بالنمو البيولوجي الذي يصيب الجسد لكن صاحب الجسد لا يشعر به يوميا ، لذا فإن الدراسات المستقبلية معنية برصد الاتجاهات( العظمى والفرعية) كخطوة أولى لتحديد تداعياتها اللاحقة طبقا لاستجابة البيئات التي تصلها هذه الاتجاهات، ويتم ذلك بواسطة تقنيات الدراسات المستقبلية المتزايدة، ويمكن تحديد الاتجاهات العظمى التي تتحكم في ايقاع الحركة الدولية في الاتجاهات العظمى التالية:
1- الزيادة المستمرة في عدد سكان العالم(7,4 مليار نسمة حاليا) ويقابلها زيادة في حجم الناتج العالمي(75,21 تريليون دولار) ، لكن ذلك يخفي وجها آخر وهو سوء توزيع الدخل وتزايد الفارق بين الطبقات على النحو التالي:
0,7% من سكان العالم يحصلون على 42% من الناتج العالمي
7,7% من سكان العالم يحصلون على 41% من الناتج العالمي
22,9% من سكان العالم يحصلون على 14% من الناتج العالمي.
68,7 من سكان العالم يحصلون على 3% من الناتج العالمي
وإذا قارنا مستويات الناتج المحلي بين الدول فإن عشر دول في العالم لديها 67,44% من الناتج العالمي بينما 180 دولة الباقية لديها 32,56% من الناتج العالمي، وهو ما يؤسس لاستمرار الاضطرابات الاجتماعية في العالم.
2- استمرار التطور والتراكم العلمي في العالم(حوالي تريليون دولار لأغراض البحث العلمي) يقابله استمرار ارتفاع ما يخصص لنفقات الدفاع (ارتفعت من 1998-2016 من تريليون دولار إلى تريليون و676 مليار، أي بزيادة تساوي 67,6%، وهو ما يعزز اتجاه النزعة العسكرية في إدارة العلاقات الدولية
3- عدد الحروب الدولية منذ 1945 يتراجع بينما عدد الحروب الداخلية شبه ثابت، وهو ما يعني اتجاها فرعيا متواصلا يتمثل في مزيد من تفتت الدول ، حيث ارتفعت نسبة الدول الجديدة سنويا عند مقارنة الفترة 1945-1985 بالفترة من 1986 – 2016.
4- قاعدة الحركات الدينية السياسية ( في كل الأديان) تعرف تراجعا لكنه ” غير خطي” ، وتتمثل مؤشرات ذلك في الاتجاهات الفرعية التالية :
أ‌- اتساع تدريجي في تفسير الظواهر المختلفة استنادا للمنهج العلمي (بغض النظر عن صحة او عدم صحة التفسير) على حساب التفسير المستند للمنهج الميتافيزيقي.
ب‌- عدد النظم السياسية الدينية قياسا لعدد النظم العلمانية
ت‌- نسبة حجم التجارة بين دول الكتلة الدينية الواحدة وبينها وبين الكتل الدينية الأخرى
ث‌- نصوص القوانين الدولية المنظمة للتفاعلات الدولية
ج‌- عدد الحروب الدينية وعدد الحروب غير الدينية
ح‌- العلاقة بين مستوى التطور العلمي ونسبة التدين في المجتمع
خ‌- اتساع قاعدة التعليم “غير الديني” على حساب التعليم الديني.
د‌- نسبة قبول القيم الليبرالية في الأحزاب السياسية الدينية مقابل نسبة قبول القيم الدينية في الاحزاب الليبرالية.
5- اتجاه الترابط العابر للحدود السياسية بين الدول والمجتمعات والأفراد في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وهو ما يؤسس لمزيد من تراجع مكانة الدولة لحساب بناء انساق غير معهودة في المجتمع الدولي.
6- استمرار تغلب النزعة البراغماتية على النزعة الآيديولوجية ، والتكييف المتواصل للآيديولويجات لمواجهة التغيرات العميقة في بنية المجتمعات المنفردة والمجتمع الدولي ككلن لا سيما مع تزايد دور التكنوقراط في صياغة الحياة اليومية للبشر.
7- استمرار تغلب ” اتجاه” المنهج الكلاني(Holistic) على حساب المنهج التجزيئي(Reductionism) في تفسير تفاعلات المجتمع الدولي.
8- ستكون افريقيا المنطقة الأكثر اضطرابا خلال العشرين سنة القادمة.
9- احتمالات امتلاك التنظيمات السياسية الصغيرة لاسلحة دمار شامل تتزايد
10- التعليم عن بعد سيتسع تدريجيا على حساب التعليم التقليدي
11- استمرار تضييق الفجوة الجندرية
12- تنامي النزوع لنظام دولي يقوم على توازنات الكتل(لا الدول) الاقليمية والكتل العابرة للاقاليم.
13- ان التجارب المعملية التي تجري في المختبرات ولم تصل حتى الآن لنتائج بل تجري عمليات التعامل معها كافتراضات ستهز الوعي والوجدان الانساني بشكل عميق في حالة اثبات 1% من هذه الفرضيات.
إن التخطيط الاستراتيجي غير المستند لرصد الدراسات المستقبلية للاتجاهات العظمى والفرعية وتداعياتها طبقا للبيئات المختلفة ، سيكون “خبط عشواء” يقود لمزيد من الكوارث.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى