حكومات التنطيز!

#حكومات_التنطيز! / #يوسف_غيشان

على زماننا، قبل عقود، كانت الكتب المدرسيّة كثيرة، ولم يكن بالإمكان قراءتها كلّها، لذلك كان المعلم يقوم خلال الحصص المدرسية بإلغاء بعض الفصول والصفحات والفقرات من الكتب المدرسية، وكان يقول لنا: نطّزوا عنها.
والتنطيز كلمة لا أعرف أصولها اللغوية، لكنّنا كنّا نفهم من قول الأستاذ أنّ هذه المواد ينبغي عدم قراءتها و ( التنطيز عنها )، ولن تكون جزءاً من الامتحان ، ولن يسألنا عنها أحد.
و هكذا نشأت قصة الصفحات المطلوبة و صفحات التنطيز .. وكان الواحد منّا يسأل الآخر: الفقرة كذا .. علينا وإلاّ تنطيز ؟ وتابعنا تعليمنا المدرسيّ تخرجنا ونحن نعرف أنّنا نطّزنا عن هذه المواد أو تلك، لأنّ الأستاذ ينوي أن يستريح، ونحن نفرح للتقليل من كميّة المواد المطلوبة منا بالتنطيز عنها، ولم نكن نأبه إلى أنّ هناك معلومات كثيرة ومعارف أكثر خسرناها باعتماد سياسة التنطيز .
وقد انتقلت معنا سياسة التنطيز هذه إلى الجامعة، وإلى المطالعة اللامنهجيّة، وإلى الكتابة، وإلى الحياة العملية، وإلى الوظائف الرسميّة وإلى الممارسات الاجتماعية .. وبالمختصر، انتقل التنطيز إلى كلّ شيء ..حيث صارت حياتنا كلّها تنطيز في تنطيز في تنطيز !!
وصار التنطيز موهبة تتمتع بها الشعوب كما تتمتّع بها الحكومات المناوبة، التي ابتكرت أساليب عبقرية في فنون التنطيز، لم تخطر في بال (ولا سيجام) إنس ولا جِنّ ولا فودكا .. ومع ذلك لم يشعر الشعب (نحن) بأنّ الحكومة تقوم بممارسات خاطئة، لأنّهم عودونا عليها منذ الصفوف الابتدائية.
لاحظوا أنّ الحكومات المتعاقبة قد قامت بالتنظيز عن مراحل كبيرة وقفزات عملاقة قامت بها الصناعات الأردنية منذ تأسيس الإمارة حتى الآن، وانفردت بصناعة الفساد فقط لا غير، كمصدر للدخل.
لاحظوا أيضاً أنّ الحكومات من كتاب الردّ حتى كتاب الاستقالة تركّز على الفساد وتنطز عن الفاسدين، إلاّ بعض المحروقين، ضمن معارك صراع قوى الفساد، لذرّ العمى في العيون.
و قد قامت الحكومات بالتنطيز عن قضية موارد لتركز على قضية ميناء العقبة ، ثمّ التنطيز عن ميناء العقبة للتركيز على الفوسفات ، والتنطيز عن الفوسفات لصالح البورصات الوهمية ، ثمّ التنطيز عن البورصات الوهمية للتركيز على الأسمنت ، ثم التنطيز عن الأسمنت لصالح التركيز على سكن كريم ، والتنطيز عن سكن كريم للتركيز على الملكيّة الأردنية ، والتنطيز عنها لصالح تأجيز أراضي الديسي ، ثمّ التنطيز عن الأخيرة لصالح التركيز على فضائح الاتصالات ، ثم التنطيز عنها لصالح الباص السريع، ثم التنطيز عن الباص لصالح التركيز على فساد أمانة عمان ، ثم التنطيز عنها لصالح التركيز على أمانة عمان ، والتنطيز عن أمانة عمان لصالح التركيز على المصفاة ، ثم التنطيز عن المصفاة لصالح التركيز على أراضي الدولة لصالح المتنفذين ، ثم التنطيز عن الأخيرة لصالح التركيز على قانون الصوت الواحد.
بالتأكيد فقد قمت أنا شخصيّاً بالتنطيز عن بعض قضايا الفساد للتركيز على قضايا أخرى .. ألم أقل لكم أنّنا نعيش في ظلّ صاحبة الضلالة: حكومات التنطيز ؟!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى