الثابت في المشهد السياسي الأردني ..! / د. قــدر الدغمــي

الثابت في المشهد السياسي الأردني ..!

إن المتتبع للمشهد السياسي الأردني يلاحظ دون عناء أنه مشهد مربك في شكله مرتبك في جوهره، ولئن كان هذا الارتباك يعزى في ظاهره إلى حالة الضباب الكثيف التي توشك أن تحجب عمق الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تكاد تعصف بنا، فيمكن تفسيره بحالة التيه التي تعيشه الطبقة السياسية في المولاة والمعارضة، حيث لا شك أن لكل منهما مظهر من مظاهر التصدع والضياع في احتضان مشاكل أبناء هذا الوطن وتجاهلها لمشكلاته الأساسية.
ولا شك أن المواطن اليوم بدأ يعزف عن المشهد السياسي والمتابعة الحثيثة له، في ظل سوء الأحوال المعيشية التي برزت للعلن وبشكل أكثر وضوحا، وبالأخص حجم الضرائب التي يدفعها إضافة لارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية، هذا مع ثبات الأجور وتدني مستوى الرواتب والاجور من جانب، ومن جانب آخر عدم قناعته بجدية الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد وتساهلها في قضايا فساد كبرى التي كبدت خزية الدولة خسائر تقدر بمئات الملايين من الدنانير، بالمقابل لم تراعي الحكومة صوت الشعب وانينه وحراكه لا بل قابلته بالتجاه والتطنيش.
في الزمن الماضي كانت السياسة مهنة من لا مهنة له، وبالمقابل كان المواطن يعيشها في تفاصيل حياته اليومية وتنعكس على شخصيته الاجتماعية، فعلى سبيل المثال كان يمكن له أن يقبض ثمن مكانته الاجتماعية بشكل مجزي من طرف الدولة حينما يكون لديه رصيد شعبي واسع، أو يكون له تأثير اقتصادي مشهود، أو قلماً سيالاً يصنع به رأيا يوجه من خلاله أفكار وانظار الرأي العام، ويمكن لمن لا يملك أيا من الصفات السابقة أن يكون بدوره سياسياً بارزاً إذا ما كان له صلة قرابة من العيار الثقيل جدا بأحد أصحاب “الحظوة” من عالية القوم.
هذه الأهمية التي يحظى به السياسي جعلت منزله ومكتبه قبلة ومحجا لأصحاب المصالح والمطامع والفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم، حيث يجد كل ما يحتاجه بشرط ضمان ولائه السياسي حين تنشط الساحة وتظهر الحاجة لصوته، هذا شكل وعي لدى الناس وارتباطهم بالساحة حيث الكل يرقب المشهد السياسي متوقعا أو متمنيا تعيين قريبا له أو بروز نجم لأحد مقربيه أو أحبائه مما سينعكس عليه بالمنفعة لاحقا، لأن أي قريب أو حبيب ظهر نجمه سيطال خيره الجميع وسيكون له حبل وصل لا انقطاع له مع كل من له حاجة أو مطلب.
كل ذلك كان هذا في سالف الأيام، أما اليوم فإن تعيين أي شخص في منصب مهم لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا لأنه بمجرد تعيين شخص منزوع الصلاحيات مكبل بمجموعة من العراقيل التي لا يراد منها إصلاح ما أفسده الدهر في ذلك المنصب، بالإضافة لجهات تعمل على إبراز عجز الشخص وتحطيم قدرته على التصرف في أسهل اختصاصه ومهامه، وهذا ما جعل قبول البعض لتلك التعيينات ليس من باب جلب المصلحة بقدر ما هو درء لمفسدة قد يجرها رفضه أو اعتذاره عن ذلك المنصب قد تلاحقه واتباعه من بعده .
هذا الواقع هو السبب الرئيسي في ما وصل إليه مشهدنا السياسي من الارباك الظاهري والارتباك الباطني وسبب حالة العزوف التي تحدثنا عنها في سابق الأسط ، ولا علاج لهذا الوضع إلا بإعادة الاعتبار للمواطن على اساس أنه شريك أساسي في الحياة السياسية في حيزه الوظيفي أو في مكانته الاجتماعية، الأمر الذي قد يرضي الجميع حتى يعود إلى موقع التأثر والتأثير وتحمل المسؤولية الوطنية الكاملة، عندها نستطيع أن ننتقل من المشهد السياسي الثابت إلى المشهد السياسي المتحرك وبالأخص ما يتعلق بدور المواطن على صعيد المشاركة السياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى