التلفزيون الأردني :إعلام حكومة وليس إعلام دولة

التلفزيون الأردني :إعلام حكومة وليس إعلام دولة

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

ندرك تمام الادراك أن #التلفزيون الرسمي #الأردني يشكل واجهة إعلامية يتم من خلالها تسويق #برامج الحكومة والترويج لها، كما أنه ليس لدينا أية أوهام حيال نشاطات وفعاليات هذا التلفزيون الموجهة لصياغة الرأي العام باتجاهات ومناحي محددة تتفق ومقاصد النظام السياسي وأهدافه. موازنة التلفزيون الاردني ،على عكس معظم الضرائب والرسوم الأخرى، يتم تمويلها من جيوب الموطنين مباشرة فقرائهم وأغنيائهم على حد سواء ، فضريبة التلفزيون شهرية وليست سنوية وهي واجبة الدفع على كل بيت سواء اقتنى تلفزيون أم لم يقتنيه. التلفزيون الأردني بموازنته الضخمة يعمل به آلاف من الموظفين الإداريين من غير الإعلاميين وموازنته تذهب جلها لدفع رواتب جيش الجرار من البشر الذي يزيد عدده وعديده أضعافا مضاعفة عن أعداد العاملين في محطة هيئة الإذاعة البريطانية ( BBC) أو محطة الجزيرة أو العربية وربما ( CNN) .
موضوعنا على أية حال هو أن هذا التلفزيون ينبغي أن يكون تلفزيون الدولة الأردنية وليس تلفزيون الحكومة الأردنية .ما يلمسه المواطنين على أرض الواقع هو أن شاشة التلفزيون الاردني عبارة عن منصة للحكومة ومسؤوليها والموالين لها وسحيجتها وأزلامها الذين يلهجون بالثناء على النظام والحكومة بكرة وأصيلا ويتبارون في الإسفاف والتزلف وقلب الحقائق وتصوير الخسائر على أنها أرباح ، وترويج الإخفاقات على أنها إنجازات عظيمة، وإبراز الهزائم والتراجعات في مكافحة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان على أنها نجاحات في الوقت الذي تشير سجلات وبيانات المؤسسات الدولية الى انخفاضات صادمة لسجل الأردن في هذه القضايا.
أما في المناسبات الوطنية والانتخابية والجوية وأعياد الاستقلال وافتتاح البرلمان والأحداث التي يتعرض الأردن فيها الى سوء فسرعان ما تجد قائمة من الاسماء تظهر على شاشة التلفزيون للتنظير وقلب الحقائق تحت مسميات خبراء و”باشاوات” وأصحاب معالي وأعيان وأحيانا يكون بعضهم مطلوبين سابقين في قضايا شيكات مرتجعه أو فاسدين سابقين أو مجرد هواة يحبون الظهور الإعلامي .محير أمر هذا التلفزيون من أين يأتي بهولاء؟ كم تعجبت كيف يمكنه أن يأتي بعشرة أو عشرون من هؤلاء المتحدثين وكأن إدارة التلفزيون لديها قائمة بأسماء الشخوص الملائمين لكل مناسبه!!! الغريب قي الموضوع هو أن التلفزيون الأردني يبدوا وكأنه لديه قوائم بأسماء محددة لبعض الأردنيين الذين لديهم لون واحد وفكر واحد ويتقننون المدح ،ويتفننون في قلب الحقائق وتحويل الأشياء إلى أضدادها ،وقراءة الأحداث يشكل مقلوب ومعكوس ،ولولا حرصي على عدم المخاطرة بخوض معارك قضائية لذكرت الان ثلاثون إسما جاهزين للحديث في كل المناسبات ويستحوذون على الشاشة لساعات طويلة ومملة. المتحدثين الذين يستضيفهم التلفزيون الاردني في المناسبات المتعددة غالبا يأتون بكبسة زر ويبذلون جهودا ويتفننون في مدح الحكومة وأولي الأمر لدرجة أن الحكومة لا تصدقهم ولا تصدق أنها صاحبة الانجازات التي يتحدثون عنها، وقد علمت مؤخرا من أحد الموظفين “الرفيعين” المستوى في الحكومة أنه أثناء مشاهدته هؤلاء الضيوف على الشاشة وهم يتحدثون عن بطولات الحكومة وإنجازاتها المذهلة يعتقد بأن هؤلاء المتحدثين يتكلمون عن حكومة أجنبية وليس أردنية!! مضحك ومحزن أمر من يدير هذه البرامج وما يقوله المتحدثون الضيوف في مدح بلاط الحكومة وتزوير التاريخ والحقائق .يتحدثون عن حرب 1948 وكأننا حققنا نصرا على اسرائيل ويتحدثون عن حرب 1967 ويصوروها على أنها مدرسة في الاستراتيجيات والعلوم العسكرية مع أننا خسرنا القدس والضفة الغربية ،ويتحدثون عن إنجازاتنا في تركيع اسرائيل في موضوع الحفاظ على الأقصى والمقدسات في الوقت الذي تستأذن السلطات الأردنية بلدية القدس والإسرائيليين في أي شأن من شؤون القدس .الأنكى من ذلك أن وزير سابق وأستاذ في العلوم السياسية في إحدى الجامعات الأردنية يقول من على شاشة التلفزيون أن “الملك هو الأردن والأردن هو الملك “ولا أعلم كيف يمكن أن يصدر ذلك من أستاذ جامعي يدرس العلوم السياسية لطلبتنا…كيف يمكن أن يسيئ هذا الوزير لجلالة الملك بتشبيهه بالدكتاتور لويس الرابع عشر امبرطور فرنسا 1643-1715الذي قالا بأنني أنا الدولة والدولة أنا.وأنا متأكد بأن تسحيج هذا الأكاديمي يبعث على الإشمئزاز ولا يروق لجلالة الملك الذي يحترم الدستور والمؤسسات.
التلفزيون الأردني لا يعتلي منصته اي معارض او من هو مشكوك في باعه الطويل ومهاراته في التسحيج والتزلف لأولي الأمر .التلفزيون الأردني نموله نحن من جيوبنا وهو تلفزيون دولة وليس تلفزيون حكومة ويجب أن لا يبقى منبرا للموالين والسحيجة ومنظري المناسبات .التلفزيون الاردني أصبح لا يشاهده الكثير من الأردنيين وربما لا يشاهده كثير من العاملين فيه .مصداقية التلفزيون ومهنيته واحترافيته وموضوعيته أصبحت محل استفهام حيث وصلت مسيرة أدائه الى مألات جعلت من شاشته وجها لعملة الحكومة فقط ، وما الحوارات واللقاءات التي يبدوا ظاهرها أنها برامج حواريه إلا حوارات الحكومة مع الحكومة وحوارات الموالين مع الموالين والسحيجة .التلفزيون الاردني يعيش حالة جمود وسبات شتوي وصيفي عميق وقد تجاوزته التكنولوجيا والتطور الإعلامي لدرجة أن محطات تلفزه عمرها أقل من عقد من الزمان حققت إنجازات معتبرة ويشاهدها أضعاف أضعاف من يشاهد التلفزيون الاردني. التلفزيون الاردني يحتاج الى ثورة كبيرة ومراجعة شاملة من قبل شخوص من غير العاملين فيه الذين ألفو الإطاعة والاستسلام للأوامر والتوجيهات دون محاولة موائمتها مع متطلبات العمل الإعلامي الديمقراطي المعاصر.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى