التطور من العرج إلی الشلل

التطور من العرج إلی الشلل
شبلي العجارمة

کان درس الجغرافيا يکرر لنا حقيقة تشکل التضاريس ويختم تلك العوامل بعبارة “عوامل الحت والتعرية “,لکننا کبرنا ولم تعد التضارٕس ضمن أولويات معرفتنا بل ربما أن الدرس والمعلم لم يعودا ذوا قيمة معرفية ,لأن مصطلح الحت والتعرية لاذ بالفرار من التضاريس الطبيعية إلی التضاريس السياسية وحتی الإنسانية!.
تحضرني هنا إحدی الفکاهات القديمة البالية ,وربما المصنفة بالنکتة الباردة في المصطلح الشعبي التقليدي ,ومفادها ;أن رجلاً عجوز کان قد التمس لابنته مدرساً للجغرافيا ليدرسها بهدف تقويتها معرفياً ,اختلی المدرس بالفتاة بعيداً عن أنظار الختيار الذي ذهب لجلب الشاي للمدرس والفتاة لتوفير طقس للتزود المعرفي ومن أجل أيقونة الکرم الأصيل ,وعندما دخل العجوز صدمه مشهد المدرس وهو يعبث بمعالم أنوثة الفتاة ,فقال العجوز للمدرس “إحنا قلنالك تدرسها الجغرافيا بس ما تبلش بالتضاريس”!.
کانت هذه النکتة کثيراً ما تضحکني وکثيراً ما کنا نتجاذبها في زمن المراهقة الیريٸة السهل ,لکن هذا الضحك وهذه النکتة بددها خريف العمر وباتت تستنزف دموعي الأشد ملحاً أجاجاً , وأنا أری درس الجغرافيا بات أکبر من حجرة مغلقة علی مدرس وفتاة والتقاء نزوتان طبيعيتان ,بل أن التضاريس کانت تخص أربعة جدران لا أکثر ,لکن المدرس والدارس والدرس تمردوا علی کل الجدران وبات مارداً يعبث في کل تفاصيل السمع والبصر والإحساس.
کانت العصا قد تنفع فٸ حال العرج الخفيف وحتی الثقيل أيضاً , لکنها عند بلوغ العرج مرحلة الشلل ستکون ضرباً من تفسير الماء بالماء أو کالمستجٕر من الرمضاء باللهب .
المجاملة والخوف من سطوة السجن الصغير والسجان الأصغر سوف تحيل المشهد إلی حديقة من القطيع تمضغ وتجتر وهي رابضة تحمل أٓذان طويلة وعيون واسعة وأذناب متفاوتة فقط من أجل التمييز ما بين الصوف والوبر والصنف .
التطور والنشأة في فلسفة العلماء باتت مواضيع إنشاء تتلاشی أمام مصطلحات ;”بوس ال…, متطلبات المرحلة ,الضرورات تبيح المحرومات ,والريحة ولا العدم , وإحنا أشوی من غيرنا الخ”.
ماذا تتوقعون من بوح نضج علی مشهد الطابور الصباحي وعلی ترانيم عبدالمنعم الرفاعي لنشٕيد العلم وخلفه عصا معلم يضرب الوجع عن جسد الوطن ويصنع وجعاً أٓخر ليهذب کل الأٓلام القادمة فينا کلقاح معنوي من شظايا لوح الصبار .
في کل صباحٍ أتوق أن أکتب عن الجميز والنوار ,عن ذلك العصفور الذي يمتلك أغصان تينتنا العجوز کوريث شرعي لجدي الراحل ,أن أکتب عن المناديل البرتقالية المخشوة بأکعاب الراحة والبسکوت والملبس علی لوز بين عشاق الزمن الجميل علی بير أبو الذهب والجيعة ,لکن الصباحات لم تعد نلك الصباحات الحالمة بالورد والزنبق وزحمة العصافير فوق أفخاخ صبية الحي بطعم القمح والدود وخيط الفتلة الأبيض الذي کنا نسرقة من قدسية الصراٸر العجاٸزية ,لا شك حتی أن وجه الصباح بات أکثر بٶساً وکهولة وهو مجرد نعوات بين صفحات الأخبار وضجيج خلف شفاه السواليف الباٸسة !.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى