الروائي هاشم غرايبة: رمضان يعني التجدد والتجديد

يختلف أو يتشابه الطقس الرمضاني بين مبدع وآخر.. تماما كما قد يتشابه أو يختلف الاحتفال بشهر رمضان من بلد إلى آخر، ويتملك الكثيرون الفضول للتعرف علي كيفية أحيائهم واحتفالهم بشهر رمضان الكريم‏، والتعرف على طقوسهم الرمضانية
هنا نتعرف على جانب آخر من سيرة حياتهم في رمضان، ماذا عن طريقة استقبال هلال رمضان.. في طفولتهم؟ وبدء صومهم… طقوس تعويد الطفل على الصيام؟ طقسهم اليومي في رمضان؟ ماذا عن العبادة في رمضان؟ ماذا يقرأون؟ وماذا يتابعون تلفزيونيا؟ الأمثال الشعبية الخاصة برمضان..
يقول الروائي الأردني هاشم غرايبة: «رمضان كريم، رمضان يعني التجدد والتجديد، رمضان يكسر روتين أيام السنة، لرمضان بهجته الخاصة، وأصواته الشجية، وروائحه القوية.. حتى الماء نشم رائحته المنعشة. نحب رمضان.. ولأننا نحبه ندقق في ملامحه».
ويستعيد غرايبة طفولته حيث «كان قمر رمضان يؤنس ليالي الصائمين ويزيد السماء بهاء.. صار هلالا بلاستيكياً يومض على الشبابيك والشرفات، ونسينا قمر السماء!
غابت عادة أصيلة فيها كرامة وتكريم للمدعوين وهي: أن يصطحب رب البيت ناسا ليفطروا على مائدته البيتية في رمضان حتى لو كان الطعام عدس وبصل.. موضة الموائد الرمضانية في الشوارع تكرس التعالي لأنها معزل للفقراء، وتشهيرا بالمحتاجين، حتى لو كانت المائدة عامرة، والطعام فاخراً».

القطايف ملكة الحلوى الرمضانية
غرايبة أن «أهم ما يميز مائدة رمضان عندنا العصائر والشوربة والسلطة .. والقطايف ملكة الحلوى الرمضانية دون منازع.. ولكل قطر عربي وشعب من الشعوب الإسلامية طبقه الخاص الذي يتكرر كل يوم على مائدة الإفطار.. كل المسلمين يتشاركون في حبات التمر، ويظلّ الماء سيد لحظة الإفطار في كل مكان.
القمر الدين! كان حضوره الرمضاني يوازي حضور القطايف، وكان «مريس» القمر الدين يغمّس بالخبز، وكان طبقا لذيذا يواظب الحضور على مائدة السحور، فينعش، ويحمي من العطش.. صار القمر الدين مجرد عصير بين عصائر كثيرة تفوقه حضوراً على مائدة الفطور.

«دعوة العنايا».. يوم عيد عائلي
يبين غرايبة أن دعوات وولائم صلة الرحم كان يطلق عليها «دعوة العنايا».. والمقصود بها صلة الرحم من خلال دعوة الأخوات والعمات والخالات لمأدبة إفطار رمضانية.. كانت هذه الوليمة يوم عيد عائلي عندما تكتظ الدار بالمدعوات وبناتهن وأحفادهن.. تحولت هذه الدعوة الجماعية إلى دعوات بالتجزئة، ففقدت اللمة بهجتها.. وينتقد غرايبة ما استجد عند بعض الناس حيث استبدلت «عزومة العنايا» بـ»إرسال مكونات وجبة الطعام ناشفة إلى بيت «العنيّة»: جوز صيصان، ورطل رز، وقنينة زيت.. هاي صارت شحدة أم صلة رحم!!».
ويفتقد غرايبة غياب «مدفع الإفطار، وطبل المسحراتي. ولم نعد نسمع نداءات الجيران على بعضهم بعضا وقت السحور.. صارت نغمات الجوال سيدة الساعات الرمضانية». تماما كما أنتقد شيوع عبارات في رمضان تظهر كأن الوقت خصم.. مثل: ( تقطيع الوقت) و(تضييع الوقت) و(تمضية الوقت).. وغيرها من الاقتراحات المشابهة التي تدعم الشعار الكبير (سلّي صيامك).. وعندما يقترب أذان المغرب ترتفع الزوامير، ويتراكض الناس، وتكتظ الشوارع بالسيارات، وكأن الناس مذعورون من ضيق الوقت!».

طقوس رمضان في بغداد ..
وحول رمضان في الذاكرة، يقول غرايبة: «لا اذكر خصوصية لما يسمى اليوم «سهرات رمضان».. لرمضان في بغداد طقوس خصبة أدهشتني.. أما في قريتي حوارة فكنا ننام بعد التراويح لنصحو على السحور، ثم يذهب الفلاحون إلى العمل.. ويقرأون القرآن أو يستمعون له بين العصر والمغرب..».
سحور أمي وشاي تحت الدالية
سحور الطفولة يعني لي رائحة الخبز! كانت أمي تخبز على السحور.. ولاحقاً صارت تسخن الخبز على الصوبة قبل أن توقظنا.
أجمل ما في عصاري رمضان الطفولة: صوت الشيخ مصطفى اسماعيل.. وتجويد الشيخ عبد الباسط، ودقة المهباش في المضافة. ورائحة البن المحمص للقهوة التي كان يعدها أبي بعد صلاة العصر..
أذكر تتن أبو طايل: يفركه على الغربال، وينقيه، ويملأ علبته، ويمصع دفتر الاوتومان من سقفها.. يفرد حجره ويسلي وقته بلف السجائر وإعدادها لما بعد الفطور.. اليوم استمتع بالأرجيلة على مصطبة الدار بعد التراويح، وشرب الشاي تحت الدالية وزهر الياسمين يتطاير من حولنا..

طقس يثير الخشوع في نفسي

أذكر طقساً كان يثير الخشوع في نفسي عندما كان جدي يضع المصحف فوق مخدتين، ويقرأ بسرعة، وبصوت مسموع.. فيما جدتي تنود رأسها بخشوع دون أن تسأل، أو تحاول أن تفهم.. ولا يلبث أن يُشيع صوته الأجش خشوعاً مهيباً على البيت ثم على الحارة..
رمضانات السجن لها نكهة خاصة..
طبعا نذكر حرب رمضان عام 1973 ، فهي راسخة في الذاكرة بتفاصيلها.. رمضانات سجن المحطة لها نكهة خاصة.. (رمضان الحرية) قضيته منفياً في سجن الطفيلة عام 1985م ، وأفرج عني ليلة عيد رمضان من سجن الطفيلة ذلك العام.
أحداث جامعة اليرموك عام 1986 في رمضان.. وتظاهرنا أمام الجامع الكبير تضامنا مع الطلبة.. ولوحقت مع ثلة من الرفاق وظليت طريداً بلا مأوى ثابت طيلة شهر رمضان الكريم.. كان رمضاناً جميلا مشحونا بالطرائف والمفارقات.
هبة الجنوب وأحداث ثورة الخبز وقعت في رمضان عام 1989، وخرجنا للتظاهر في اربد بعد الإفطار.. سجنت ليلتها مع كثيرين وأرسلنا إلى سجن سواقة.. رمضان سواقة باهت في ذاكرتي، بلا طعم ولا لون ولا رائحة.

كتبت عن (رمضان عمان سنة1938)
ورغم أن غرايبة يقرأ في رمضان عادة أكثر مما يكتب.. لكنه كتب فصلا عن (رمضان في عمان سنة1938) وهو فصل في رواية الشهبندر. كتبه رمضان 2002. و»صدرت رواية الشهبندر في رمضان 2004 حيث وقعتها في حفل أقامته دار الآداب في معرض بيروت للكتاب، ودعانا المرحوم سهيل إدريس إلى مأدبة إفطار في اليوم التالي حضرها حوالي 40 صديقا سافروا من عمان إلى بيروت لحضور حفل التوقيع، فيما سماه الصديق موسى برهومة (حافلة الشهبندر).. ودعا يوسف إدريس معنا عددا من الكتاب والمثقفين اللبنانيين والعرب.. لحد الآن أتساءل ماذا كسب من الشهبندر (ماديا) كدار نشر!».

بماذا سننشغل بعد العيد؟!…
ويختتم غرايبة بقوله: «كان الدين يسراً. وكان الناس أقل تعصباً وأقرب إلى السماء.. اليوم أرى المساجد تكتظ بالمصلين. والصدقات تتناثر على الطرقات. وصلة الأرحام في ذروتها.. أين كنا قبل شهر الصوم، وبماذا سننشغل بعد العيد؟.. لا أعرف الجواب!»…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى