تحت الضوء

#تحت_الضوء

د. #هاشم_غرايبه

الارتباك الكبير في صفوف العدو ومناصريه الذي أوقعته عملية المغازي التي جرت عصر الإثنين، ينبئ كم هو هش ذلك الكيان الذي صنعوه من خرافات تلمودية بائدة، ونفخوا فيه من شرور أحقادهم، لكي يعيث فسادا فيما حوله، ويهلك حرث أمتنا ونسلها، لكنه في حقيقته وهم، وأوهن من بيت العنكبوت.
ما أرعبهم فاصطكت ركبهم فرقا، ليس للعدد الكبير من القتلى، فقد خسروا العشرات خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، وتمكنوا من التكتم عليهم، لكن ما حدث كانت له دلالات عميقة، وآثار بليغة، ستؤثر على الواقع، القريب منه والبعيد، منها:
1 – من لا يؤمنون بالله لن يمكنهم تفسير ما حدث، وسيعتبرونها مجرد واحدة من الإخفاقات القيادية، ساعدت الصدفة المحضة على كشفها، ولكن المؤمنين يعرفون أن الله تعالى لا يتفرج فقط على ما يصنعه البشر، مدخراً محاسبتهم على ما عملوه الى يوم الحساب، بل يتدخل في سيرورة الأحداث كلما استوجب الأمر، تنفيذا ماديا لوعده: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰد” [غافر:51].
فلو أخذنا هذه الواقعة مثالا على ذلك، سنجد جملة من التقاطعات التي أدت لهذا النصر المؤزر، بدءا من التخطيط للعملية اعتماداً على معلومات من المستطلعين، الذين حماهم الله عن عيون العدو، كون هذ المنطقة يسيطر العدو عليها بالكامل، ومهجورة من السكان الذين يمكن أن يساعدوا في الرصد، ومكشوفة وقريبة من السياج الفاصل، أي من الصعوبة الاقتراب من المكان، خاصة وأنه لا تتوفر للمقاومة اجهزة الرصد سواء عن طريق الأقمار الصناعية ولا المسيرات الكاشفة، بل هم مكشوفون أمامها.
لذلك كان النصر الأول بالتعمية عنهم الى أن أنجزوا مهمة الرصد والاستطلاع.
والنصر الثاني بهداية المخططين لرسم خطة محكمة للتنفيذ ثم الانسحاب، نجحت نجاحا فائقاً.
والنصر الثالث كان بتأمين الاقتراب اللصيق للمنفذين لضمان التأثير الأمثل للمقذوفة، من غير اكتشافهم خاصة وأن الأرض مكشوفة، وبإمكان أجهزة الاستشعار المتقدمة الموجودة في الدبابة الحارسة اكتشاف أية حركة حول منطقتها بـ 360 درجه.
أما النصر الرابع وهو الأعظم، وهو تسديد الرمي ونجاعته، ففي القذيفة الأولى أصابت الدبابة الأقوى تحصينا في العالم، في أضعف نقطة فيها وهي قاعدة برجها، فأطارته ومعه جثث الجندين فيها، والقذيفة الثانية دخلت في المبنى الذي كان فيه المتفجرات، فحدث انفجار هائل دمر مبنيين بالكامل، كان فيهما وحولهما 21 عسكريا، فلم يبق منهم دياراً، ولا شك أن المقاومين لم يعلموا بمكان وجود متفجرات، لذلك فلا يعقل أنها رمية من غير رامٍ، بل هنالك من رمى: “وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى” [الأنفال:17].
وتضمنت الخطة زرع ألغام في الجهة المتوقع من العدو سلوكها للنجدة، فانتظرهم المقاومون الى أن قدموا ففجروا فيهم حقل الألغام.
وأخيرا جاء النصر الخامس بضمان سلامة المهاجمين وإنجائهم من العدو الذي جن جنونه وقصف كل المنطقة، لكنهم عادوا جميعهم سالمين لم يمسهم سوء: “وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ” [الأنبياء:88].
2 – هذه الحادثة وغيرها مثل حادثة انفجار الشاحنة المحملة بالمتفجرات التي جاءت لأجل تدمير الأنفاق، لا شك أنها ليست صدفة أيضا أن تستهدف احدى دبابات العدو ذاته شاحنته تلك، فالكل يعلم أن المقاومين لا يملكون آليات عسكرية أو شاحنات، لكن عمى الله قلب الجندي في الدبابة ليطلق النار على الشاحنة، فتنفجر وتقتل كل الجنود فيها وحولها.
ومثل ذلك حوادث كثيرة مما يسمونه نيران صديقة، إما بجنودهم يقتلون بعضهم، أو يقتلون رفاقهم من الذين فروا من الأسر، أو مثلما قصفت طائراتهم حفل الزفاف يوم الهجوم، أو قصفت دباباتهم يومها بيوتا في المستعمرات ظانين أن فيها مقاومين يحتجزون جنودهم في تطبيق لخطة “حنيبعل”، ليكتشفوا بعد مقتلهم أنهم كانوا من جنودهم مختبئين.
3 – هذه السلسلة الطويلة من الأحداث التي يحيلونها الى الصدف، لكن المؤمنين والذين قرأوا التاريخ، يعلمون أنها جميعها من تدبير الله لكي تدل على أنه: “فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم”، لأنه أرادها وقدرها بذلك الإحكام “وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا” [الأنفال:17]، ولكي يشف صدور كل مناصري منهجه الداعمين للمقاومين، ويطمئنوا الى صدق وعده ويخيب آمال المخذلين والمطبعين: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” [التوبة:14].

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى