الموضوعية / محمد نغوي

الموضوعية
التعريف العام للموضوعية هو تحكيم العقل والحيادية في اصدار الأحكام واتخاذ القرارات، وهذا يعني وجود أمرين أو أكثر يجب أن يتم التفاضل بينها، بمعنى وضع ميزان بكفتين، في كل كفة توضع الأمور التي ترجح تلك الكفة على الأخرى، وهذا في ظاهره يبدو سهلاً، ولكن عند التطبيق يصبح صعباً، وذلك لأن الكثير من الناس لا يستطيعون فصل عواطفهم وميولهم عن أحكامهم التي يصدرونها، فتراهم يميلون بطريقة تلقائية، بوعي أو بدون وعي، إلى البحث عن كل ما يعزز الكفة التي يميلون بعواطفهم نحوها، حتى لو كانت ضد تحقيق مصالحهم، على سبيل المثال، كثيراً ما نسمع من أشخاص يتحدثون عن الفرص التي ضاعت منهم خلال سني حياتهم، وعند سؤالهم لماذا تعتبرونها فرصة؟ يردون علينا: أنظر إلى فلان الذي (إقتنص) الفرصة كيف أصبحت مكانته وتحسنت أحواله، وهذا كلام في حقيقته إفتراضي، لأن الظروف التي تهيأت لفلان للوصول إلى تلك المكانة وتحسن الأحوال، ليس شرطاً أن تتوفر لمن وجهنا إليهم السؤال فيما لو حصلوا هم أنفسهم على تلك نفس تلك الفرصة. والموضوعية لا تطبق فقط في الأمور الشخصية، بل يمتد تطبيقها إلى الأمور العامة والحكومية الأكثر خطورة، مثل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية . . الخ، ولعل البعض يظن بأن تطبيقها في هذه الامور أسهل لأنها أمور عامة وليست خاصة، وبالتالي لا يوجد تأثير للمشاعر عليها، وهذا صحيح في حال لم تتداخل المصالح الشخصية الضيقة في ترجيح إحدى كفات الميزان، وذلك كما يحدث في أغلب الدول المتقدمة والمتحضرة وكان سبباً من أسباب رقيها، ولكن في أغلب دول العالم الثالث حيث تُفصل القرارات بطريقة الشخصنة، لتلبية مصالح نخبة معينة على حساب المصلحة العامة والوطنية، فما زال الطريق أمامها طويلاً.
إن التفكير الموضوعي هام جداً، لأنه على الصعيد الشخصي سبب هام من أسباب نجاح الأفراد في التخطيط لمستقبلهم، من الدراسة إلى التقاعد مروراً بإختيار شريك الحياة (الزوج/الزوجة) واختيار مسارهم الوظيفي (Career Path) والتطور به، وهو على صعيد الحكومات والدول وسيلة رئيسية لإدارة الدولة والتخطيط للمستقبل، وذلك بما يلبي المصلحة الوطنية العليا ويجنب البلاد أخطار قرارات تلبي مصالح شريحة ضيقة من أصحاب النفوذ، لذلك فإن أنظمة التعليم في الدول المتقدمة، تركز على تنمية القدرة على التفكير الموضوعي لدى طلابها منذ الصغر، فيكبرون وقد إمتلكوا مهارة إصدار الأحكام على الأمور واختيار القرارات الأصح، حتى لو كانت تتعارض مع ميولهم النفسية ورغباتهم العاطفية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى