سَـكْـرَة وَ سَـكْـرَة …!!! / د . ناصر نايف البزور

سَـكْـرَة وَ سَـكْـرَة …!!!
قد لا يغيب عن ذاكرة الكثير ممن شهدوا في مطلع شبابهم بل وصباهم العقدين الأخيرين من القرن المنصرِم مطلع الأغنية الشعبية الشهيرة “على الريش، حُبَّك حبيبي على الشفايف، سَـكـرة من غير تحشيش…”!

وكأيِّ إنسان ملتزم و بريء “مش أزعر” شَـرواكم، كُنتُ أيّامها أتساءل دوماً كيف يمكِنُ أن تَحصُل السَـكْـرَة مِـنْ غـيـر تعاطي المُسكرات أو أن يتم التَـحْـشـيـش من غير تعاطي المخدّرات! و دارتْ الأيام على رأي أم كلثوم؛ وأدركتُ أنَّ هناك أموراً واقعية وحقيقية في حياتنا السياسية و الاجتماعية أكثرُ إسكاراً من الفودكا الروسية المعـتّـقة وأكثرُ تحشـيـشاً من الهروين الفنزويلي الفاخر!

يروي الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح؛ أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة سابقاً؛ كيف أنَّ معمَّر القذافي غضب من بعض الكتابات في ليبيا، فقام بسجن أولئك المفكِّرين؛ لكنَّ ذلك لم يشفِ غليله مما حصَل؛ فغضب من جميع أفراد الشعب وقرَّرَ أن “يِـحْـرَد” بنفس عقلية الكثير من الساسة العرب و هي نفس عـقلية الزوجات أو الأزواج الذي يُغادرون بيت الزوجية عند أي خلاف مع الزوج! وبالفعل فقد غادر القذّافي ليبيا إلى مصر وأقام فيها أسبوعين؛ وهذا الفعل يُعادل في إمتاعه للسامع كأساً من “الكونياك” عند أهل الخبرة والكيف!

أمّا ما هو أدهى من ذلك وأمَر و هو يُساوي بطحةً من الفودكا مع نوبة من الضحك، فهو ما فعله القذافي أثناء فترة “الحردة” تلك؛ فقد وضع جزمته “كُندرته” المقدّسة فوق مكتبه، و أمَـرَ التلفزيون الليبي الرسمي (وأيامها لم يكُن في أي دولة سوى التلفزيون الرسمي) أن يقوم بالبث المباشر لتلك الجزمة العظيمة طوال غيابه!!!

مقالات ذات صلة

وبعد اسبوعين من الاستمتاع بمنظر و خُطَب جزمة القائد الفاتح “ملك ملوك العالم” وبعد أن فشل الليبيون بالعيش دون رَبّهَم وكادوا يموتون بسبب نقص الأكسجين الذي كان سينفذ لعدم وجود الزعيم “المُلهِم”، ذهبَ وفد من الساسة “السحيجة” الليبيين في “جاهة مطنطنة” وقاموا باسترضاء “العريس الزعلان” ولَعَلَّهُم غَنّوا له “هلا يا رُمّانة… الحلوة زعلانة… مين يراضيها…”! فرجع القذافي عن قرار الطلاق وعاد إلى بيته ومزرعة أهله!

وتمضي الأيّام وتأتي مرحلة الجرعة الزائدة “الأووفردوز” من الكوميديا حين يغضب القذافي من شعبه مرّةً أخرى بعد شهرين؛ فلا يفعل كما فعل في المرّة الآولى! أي والله كُل الحشّاشين ما بتوقّعوا هاي الجُرعة! يا سادة لقد خرج القذافي هذه المرّة على شعبه على شاشة التلفاز بدلاً من جزمته (مع أنَّ البعض قد يقول ما في فرق بينه وبين الجزمة)! وقال لهُم بايجاز، “أنا مش كُل مرّة اتزعلوني، أطلع من البلد…. المرّة هاي انتو اللي حتطلعوا برة… أنا مش عاوزكو… اطلعوا الجزائر أو مصر أو السودان”!!! هذا هو التحشيش الذي تعجَزُ عن تحقيقه أعتى أنواع المُخدِّرات؛

لذلك فعندما “ذهَبَت السـكـرة، وجاءت الفـكـرة” وطالبه شعبه بالرحيل، خرج عليهِم وقال “من أنتم!”؛ وكذا قال زين العابدين “أنا افهمتكو!!!”؛ و كذلك الجنرال السيسي “انتو مين!!!”! وهذا ما تجاوزه بشار النعجة فعلاً لا قولاً يوم طلبَ شعبه من الرحيل، فرَحَّلَهُم و هَجَّرَهُم و ذَبَّحَهُم “و لعَن سلسفيل سلسفيلهم”!

أمَّا عندما جاءت “سَـكـرةُ الموت”، فقد توسّل القذافي إلى الثوار “يا أبنائي… أرجوكم”!!! هيهاتَ هيهاتَ هيهاتَ؛ فكان الجواب كما كان لفرعون من قبل: “آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ “؛ وهكذا سيكون مصير بشار بإذن العزيز الجبّار!

هذا هو منطق الحُكم والتَحَكُّم لدى بعض الساسة العرب استعلاءً و تكبُّراً وتجَبُّراً! وهذا هو منطق عدل الحياة وناموسها الكوني الذي يضع نفس النهاية لجميع الطُغاة المجرمين وإن طال بهم الزمان!

فمنطق الجبروت واحدٌ في سلوك الإعمال والأعمال، وَ واحدٌ في عنجهية الرجال! و كذا منطق الكون واحدٌ في حلاوة الصبر و الإمهال وَ واحدٌ في حتمية النصر و الزوال!

واللهُ أعلَمُ وأحكَم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى