الاقتصاد الاردني : نظرية التاجر المضارب / طاهر العدوان

الاقتصاد الاردني : نظرية التاجر المضارب
سؤال اطرحه على كل المسؤولين وعلى (خبراء ) الاقتصاد في هذا البلد : ما هي النظرية الاقتصادية التي يقوم عليها الاقتصاد الاردني ؟.
بانتظار جواب شافٍ سأحاول معك عزيزي القارئ البحث عن هوية الاقتصاد الاردني لعلنا نجد له مكاناً تحت مسميات النظريات الاقتصادية المعروفة عالميا .
– هل هو رأسمالي : الرأسمالية تقوم على عدم تدخل الدولة في الاقتصاد الا في حالات نادرة ، وتقوم على حماية وصيانة الملكية الفردية والمنافسة في الاسواق . هنا لا اجد مكاناً لاقتصادنا تحت هذا العنوان . لان الحكومات عندنا امتهنت وتمتهن كل انواع التدخل ، اشتغلت تاجر جملة عن طريق وزارة التموين في السابق . وهي لاتزال تقوم بوظيفة تاجر التجزئة في المؤسستين العسكرية والمدنية ، اللتان لا تختلف أسعارهما عن أسعار المولات ( في التنزيلات أرخص ) . والحكومات بنت فنادق باموال الضمان ثم باعتها بخسارة مع ان وظيفتها حماية الملكية الخاصة ، واموال الضمان ملكية خاصة وليست اموال عامة تصرف على مثل هذه المشاريع وعلى شركات خاسرة مثل طائرات الملكية الاردنية .
– هل هو اشتراكي ؟: بالطبع لا . فمع كل ما يردده بعض المسؤولين من ان الدولة انفقت اموالا كبيرة لرعاية المجتمع ماليا واقتصاديا خاصة على الطبقات الصغيرة والفقيرة . الا ان الاردنيين شعب كادح انتشر في بقاع الارض منذ منتصف القرن الماضي بحثا عن عمل في الخليج وامريكا وآسيا وأستراليا ، جالبين الاموال ، بجهدهم وعرقهم ، الى بلدهم ليبنوا ويتاجروا ويقيموا مصانع ويدفعوا ضرائب . ومن لم يغتربوا للعمل ، حولوا وادي الاردن الى سلة غذاء للمنطقة والأردن . متحملين وحدهم خسائر المواسم في الاسواق الداخلية وأسواق التصدير .
صحيح ان جو الانفتاح وحرية العمل والتنقل والسفر الذي وفره النظام ساعد الاردنيين على العطاء والإنتاج لكن الصحيح ايضا انه لو كان هناك تخطيط وكفاءات في الادارة لتحول الاردن الى سويسرا من عشرات المليارات التي تدفقت عليه خلال بضع عقود فيما لو انها استثمرت في بناء اقتصاد وطني قوي ، وليس على بناء قصور وقلاع وسيارات فارهة أوجدت مناخات رفاهية مزيفة أدت الى انقلاب في الوعي الاجتماعي حط من قيم العمل والإنتاج داخل البلاد ، فتحول المجتمع الى عالة ، تماما مثل حكوماتهم التي اصبحت عالة على القروض والمساعدات الخارجية .
– هل هو ليبرالي ؟: هكذا وصف في مطلع القرن الجديد ، مع تغلغل الوافدين من الليبراليين الجدد في مراكز النفوذ والقرار . لكن النظرية الليبرالية تقول بان الحرية الاقتصادية والسوق الحر والتنمية لا تحقق أهدافها بدون تحقيق الحرية السياسية والاجتماعية . ما حدث ان مجلس النواب أعطي اجازة لمدة عامين في بداية الألفية الثانية ، ثم جاءت اكبر عملية تزوير في الانتخابات العامة في عام ٢٠٠٧ . كما تم وضع الاصلاح السياسي على جنب بحجج مختلفة ومتناقضة .
– اذا كان الاقتصاد الوطني لا هذا ولا ذاك فإلى اي جنس اقتصادي ينتمي ؟.
– أقول ، والعلم عند الله ، انه ينتمي الى نظرية يعرفها الاردنيون وهي ( نظرية التاجر المضارب ) . وهو التاجر الذي كلما شعر بانه بحاجة الى سيولة نقدية لتغطية مصاريفه يقوم ببيع بضاعته في الاسواق بسعر اقل من السعر الذي اشتراها به فيضرب بضائع التجار الاخرين ، غير عابئ بخسارته ولا بخسارة غيره من التجار ، والنتيجة القريبة والبعيدة كساد يضر به وبكل التجار فتنشط البطالة ويعم الركود .
الى مثل هذا التاجر المضارب تنتمي النظرية الاقتصادية لاقتصادنا الوطني . وإلا بماذا نفسر هذا التخبط في القرارات وفي كثرة تعديل القوانين . فلكل عام قانون ضريبة جديد ، ولكل سنه ضريبة مسقفات ومعارف وجمارك ولكل معاملة رسمية ، ولكل موسم زيادة ضريبة قبل ان يتم تعديلها في الموسم التالي . بل قل ما تفسير هوية اقتصاد وطني يؤدي الى رفع أسعار الشقق على الشباب مع جمود الرواتب وتناقص قيمة الدينار الشرائية !. اي اقتصاد ( يسمى وطني ) يقدم على رفع رسوم بيع العقارات على المواطن مع تخفيضها المستثمر الاجنبي . لو ان الاستثمار الاجنبي الذي ( يطنطنون به ) جلب عوائد للوطن والمواطن لوجد الاردنيون دخولهم في ارتفاع مستمر والوظائف الجديدة باتساع !. ما هذه السياسة التي تزعم انها ناجحة في جذب المستثمرين بينما نقرأ بان ( المستثمرين الاردنيين ) أنفقوا مئات الملايين من الدولارات على شراء الشقق في دبي والشارقة وتركيا وإسبانيا بينما عمارات عمان الجديدة نصفها فارغ !.
ما هذا الاقتصاد الذي يقود الى رفع معدلات البطالة عاما بعد اخر جنبا الى جنب مع رفع الضرائب على الشركات والمؤسسات دون اكتراث للنظرية البديهية في الاقتصاد التي تقول بان الإفراط في الضرائب يقود الى رفع البطالة بما تعني من انخفاض معدلات انفاق المواطنين وتراجع حركة الاسواق و النمو . ما هذا الاقتصاد الليبرالي الذي يقود الى تنامي المديونية بعد كل هذا التوسع (حتى الانفلات ) في خصخصة المصادر الرئيسية للاقتصاد الوطني ، فلم يبق من شئ معروض غير التراب والهواء والشمس ؟!.
توقفوا عن نظرية التاجر المضارب التي عملت عليها الحكومة السابقة سيئة الذكر فأفقرت البلاد والعباد . قولوا لنا ماهي نظريتكم الاقتصادية لمواجهة المديونية والبطالة والعجز والغلاء . المطلوب مزيد من الشفافية في انفاق الدولة وليس الحكومة فقط . مزيد من الصراحة والوضوح في السياسة الداخلية العجائبية التي تجعل اول هموم الحكومة الاردنية الهاشمية خلق وظائف لمئات الاف اللاجئين من اجل ان تحصل على قروض ، بينما يجلس عشرات الاف من الشباب الاردنيين في بيوتهم عاطلين عن العمل ، اسرى لشهادات وجامعات أقيمت جزافا وبدون تخطيط او ربط مع متطلبات النمو والتنمية .
مزيد من الصراحة والشفافية حول دور مجالس اقتصادية وممثلين شخصيين ( لاكتهم الالسن )وتابعتهم التقارير في مجلس النواب والصحافة بما يُعتقد ان لهم دور كبير في ما هي البلد فيه من ازمة اقتصادية ومالية سببها هدر الاموال وسوء التخطيط . هل البلد قادرة على تحمل تكرار التجربة السابقة الفاشلة لليبراليين الجدد الذين يتحملون مسؤولية عثرات واموال وخسائر انفقت على دراسات ولجان اجنبية وبرامج تحول .. الخ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى