جدلية الدولة المدنية والدينية 2/2 / د . هاشم غرايبة

جدلية الدولة المدنية والدينية 2/2

تبين لنا أن الإفراط في التغني بمفاتن الدولة المدنية واعتبارها غاية المنى، ليس مرده أن هنالك دولة دينية إسلامية قائمة تمارس التفرقة بين المواطنين على أساس الدين، بل هو تحوط استباقي لوأد آمال المنادين بالعودة الى الدولة الإسلامية بعد أن ثبت فشل النظام السياسي العربي الذريع في تحقيق متطلبات الدولة باتباع المنهج الليبرالي، رغم اعطائه الفرصة الكاملة طوال القرن المنصرم.
قبل البدء بتفصيل مزايا تلك الدولة بل أوجه تفوقها على الدولة القطرية العربية الحالية، بجب التأكيد على أنها لا يصح تطبيقها إلا على مجتمع إسلامي، فهي معتمدة أساسا على بناء إيماني أساسه الوازع والرادع، مستمد من مبدأ التوحيد الذي يعني الولاء للخالق وليس للمخلوق مهما علا شأنه، لذلك فإن التشريعات االمنظمة لكل العلاقات إلهية المصدر وليست حصيلة توافق مجتمعي، ولا مفروضة من الأغلبية المطلقة (51 %) المتحكمة في صياغة البنود وفق مصلحتها وعلى البقية (49 %) الرضوخ حتى لو كان فيها هضم لحقوقها.
أهم الميّزات:
1 – مباديء حقوق الإنسان في النظام الإسلامي مستمدة من الآية الكريمة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” وهي أكثر وضوحا وتحديدا وشمولية من إعلان حقوق الإنسان عام 1948، ونستخلص منها:
أ – الخطاب شامل لكل الناس المسلم منهم والكافر إذن فالدولة لا تفرق بين مواطنيها بناء على إيمانه أو كفره.
ب – المساواة الجندرية تأتي من المساواة في النشأة فلا تمييز بين ذكر وأنثى.
ج – إن اختلاف الأعراق والقوميات حكمة إلهية لذلك فالتعددية مبدأ أساسي يستلزم احترام اختلاف الآراء.
د – الهدف من التنوع البشري التعارف أي التعاون وتبادل المصالح.
هـ – الناس سواسية لا يفضل أحد على أحد إلا بمقدار ما يقدم من نفع للآخرين ويمنع الضرر عنهم، وذلك هو أحد أهم مضامين التقوى.
2 – التشريعات الناظمة للمجتمع في النظام الوضعي تجريبية خاضعة للتجربة والخطأ بينما تلك الإلهية ثابتة لأنها منتج الحكمة المطلقة، والفرق هائل في تحقيق العدالة عند قراءة المخرجات، مثال على ذلك إصدار الكونجرس الأمريكي قرارا بخصوص القدس، يعتبر القرار صحيحا ديمقراطيا وتشريعيا لكنه فاسد لأنه ظالم لحقوق أصحابها، التشريع الإلهي بعكسه لا يجيز الإستيلاء على مال الغير قطعيا.
3 – النظام النقدي والإقتصادي الليبرالي رغم تطوره إلا أن عيوبه أكبر من منافعه ولا يبقيه قائما إلا مصلحة كبار الرأسماليين في تجنب انهياره، النظام الإسلامي قائم على مبدأ أن المال مال الله يتداوله الناس لضمان معايشهم، لذلك حرم الإكتناز والإحتكار والربا.
هكذا نرى أكذوبة أن الدولة الإسلامية دينية تقوم على طبقة الكهنوت، فهذه لا وجود لها في الإسلام، وهي لا تفرق في المواطنة على أساس التدين أو (الجندر) أو القومية.
إنها الدولة العادلة بنظام سياسي إجتماعي إقتصادي فريد في انسجام عناصره الثلاثة ولا يجاريه أي نظام آخر.
إنهم يمنعون قيامها لأنه لا يمكن حينئذ منع اكتساحها لكل ما ينافسها .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى