هل الحكومة الأردنية في خدمة الشعب ام العكس؟

هل الحكومة الأردنية في خدمة الشعب ام العكس؟
أ.د أنيس الخصاونة

ألف الكثيرون من السياسيين والأكاديميين والناشطين في الشأن العام العبارة المشهورة التي أطلقها أحد الرؤساء الأمريكيين إبراهام لنكولن (1809- 1865 ) والتي أصبحت ترمز إلى الديمقراطية والحرية، وغدت نصا وعنوانا رئيسيا في الدستور الأمريكي ،واستلهمت معانيها في معظم الديمقراطيات في الدول الأوروبية وغيرها.هذه العبارة الرائعة المعبرة توصف مكانة ودور الحكومة وعلاقتها مع الشعب وتنص على أن الحكومة هي من الشعب،وبواسطة الشعب،وتعمل من أجل الشعب.
والحقيقة أن من يتابع ويقرأ عن دور الحكومات في الدول الديمقراطية يرى بما لا يدع مجالا للشك كيف أن الحكومة يكونها الشعب من الشعب ويراقبها الشعب للتأكد من أنها تعمل من أجل الشعب.ولذلك لا ترى ولا تشعر أن المواطنين بكافة فئاتهم يخشون الحكومة لا بل على العكس فإن الحكومة هي التي تخاف الشعب وتحسب له ألف حساب، ويتعرض العاملون في الحكومة من رئيس الدولة إلى أدنى درجات السلم الإداري فيها إلى المسائلة والاستجواب والدفاع المستمر عن قراراتهم أمام الشعب من خلال البناء السياسي والهيكلي لمؤسسات النظام السياسي، ومن خلال ضمان الحرية لوسائل الإعلام للوصول إلى المعلومة ونقدها. مصدر خشية الحكومات التي تعمل في ظل هكذا أنظمة ومناخات ديمقراطية هو أن الشعب يشكلها ويراقبها ويسآئلها ويصرفها متى شاء عبر قنوات الحكم الديمقراطي الحقيقي وليس الشكلي والمصطنع والمخصص للتسويق الإعلامي الخارجي.
نتساءل ويتساءل معنا ربما الكثيرون عن وضع الديمقراطية الأردنية، وفيما إذا كانت حكومتنا حقا هي في خدمة الشعب، وفيما إذا كان المواطن يخشى الحكومة أم أن الحكومة تخاف الشعب وتحسب له ألف حساب؟ وهل حكوماتنا ،وليس المقصود الحكومة الحالية فقط، هي من الشعب وتشكلت بواسطة الشعب وتعمل من أجل الشعب؟ أسئلة كثيرة والإجابات عليها شاقة وسلبية في معظمها فلا الشعب شكل الحكومة ،ولا ثقة مجلس النواب في الحكومة تمثل إرادة الشعب لأن تشكيلة المجلس والانتخابات أفرزها قانون الصوت الواحد هي موضع استفهام وتساؤل كبير ، ولا رقابة السلطتين التنفيذية والتشريعية على أعمال الحكومة يمكن اعتبارها رقابة حقيقية في ظل تدخل الحكومات والديوان الملكي في التأثير على أراء ومواقف أعضاء مجلس النواب والوزراء في القضايا الهامة المعروضة عليه.وإذا كات الحكومة لا تمثل إرادة الشعب فلا يظنن أحد أن أعضاء مجلس النواب يمثلون الإرادة الحقيقية للشعب فهو مجلس لا يمثل أكثر منو29% من الشعب ،لا بل إذا استثنينا الناخبين للمرشحين الذين لم يحالفهم الحظ ،فإن مجلس النواب الحالي لا يمثل أكثر من 10% من الشعب هذا بدون شراء الأصوات .
أما بالنسبة لدور الأعلام في الرقابة على الحكومة فهو إعلام مرعوب مقموع يسيطر عليه هاجس قوانين اسمها قوانين “المرئي والمسموع” و”التطاول على هيبة الدولة” و “قدح المقامات العليا ” وتحت هذه العناوين والمسميات لقوانين متخلفة أكل عليها الدهر وشرب يرسل صحفي أو رسام كاريكاتير أو كاتب مقالة أو أكاديمي إلى محكمة أمن الدولة المخصصة “للحرامية “واللصوص والجواسيس ولذلك تصبح تقارير الصحفيين خجولة مرتعشة تطالها يد رئيس التحرير بالحذف ،أو رفض النشر للمعلومة أو المقال خوفا من تبعات قانونية، أو حرمان من الإعلانات الحكومية في الصحف .
أما ما تعلق بفرمانات وقرارات الحكومة برفع الضرائب والرسوم فحدث ولا حرج فمن رفع لأسعار المياه دون الإعلان للمواطنين وكذلك الكهرباء وما كان للحكومات أن تتفتق قريحتها في إثقال كاهل الناس بأية أعباء إضافية لو كانت هذه الحكومات هي حكومات من الشعب وبواسطة الشعب وتعمل لأجل الشعب.
مرة أخرى يبدوا أن ديدن الأنظمة الديمقراطية المتضمن أن الحكومة هي من الشعب وبواسطة الشعب وتعمل من أجل الشعب هو ديدن مقلوب إلى حد كبير في الأردن وأن الشعب هو في خدمة الحكومة مطواعا لقراراتها الخاطئة، ومنفذا لشطحات وشطط بعض أعضائها والتي جربنا بعضها وأسوأها وهو برنامج التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي أوصلنا “للدار السوداء”. يأمل كثيرا من الأردنيين المغلوب على أمرهم من الملك أن يتنبه إلى أن الحكومة تعمل لنفسها ولتعزز أمجادها ومكانتها لدى القيادية السياسية أكثر مما تعمل على أن تحوز على رضا الشعب، كما أن الشعب لا يمكن أن يبقى وديعا وادعا ساكنا متلقيا مطواعا لما تمليه الحكومة من قرارات صعبة على المواطنين تصيب أرزاقهم وتصعب معيشتهم وتنال من كراماتهم . الشعب الأردني يا جلالة الملك شعب متعلم مثقف كثير من أبناءه جابوا الكرة الأرضية شرقا وغربا، وتلقوا تعليمهم العالي في أفضل الجامعات الأمريكية والأوروبية ،وتعاملوا وتعايشوا مع شعوب حرة هي محط اهتمام وخدمة ورعاية من حكوماتهم ويطمح الأردنيين إلى معاملة كريمة وخدمة تضمن لهم كرامتهم الإنسانية التي يستحقونها بدون أدنى شك .الشعب الأردني مثل سائر الشعوب الديمقراطية لم يعد يحتمل جور الحكومات وظلمها وكبريائها ،الشعب سأم أن يكون خادما للحكومة والنظام ، الشعب يريد أن تكون الحكومة والنظام في خدمة مواطنيه وليس العكس. الشعب يريد حكومة من الشعب وبواسطة الشعب وتعمل من أجل الشعب….

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى