الإعفاءات “خدشت” الموازنة .. فأمراضنا “مش على قد مصارينا”.. “المشاهرة والغنيمين” مثالاً

سواليف: هديل الروابدة

“يحتار ويحيرنا” وزير الصحة الدكتور سعد جابر، في بحثه عن “من يقرع الجرس” و يستطيع اتخاذ قرار وقف الإعفاءات، أو “تحميل المواطن جزءامنها على الأقل”، مؤكدا أن ما يدفعه المشتركون للتأمين الصحي سنويا هو 56 مليون دينار مقابل 480 مليونا تدفعها الدولة، وأن عدد المؤمنين في التأمين الصحي المدني وتتكفل الدولة نفقات علاجهم كاملا، يبلغ 1.9 مليون مواطن، فيما يبلغ عدد الأردنيين غير المؤمنين نحو 2.9 مليون. في حواره مع “الغد”
المفارقة هنا ومن سوء طالع الوزير الذي نقدره و نحترمه، أن حديثه – الذي نفاه لاحقا بقوله أن الوزارة “لا تملك حق منح الإعفاء الطبي أو حجبه عن أي مواطن”، قبل أن تنشر يومية المقابلة التي تؤكد مطالبته بوقف الإعفاءات- جاء بين هزتين شعبيتين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأولى: على وقع رحيل الشاب عبد الله المشاهرة، الذي توفي على سرير المرض بعد أن صمّت الحكومة آذانها عن صرخاته المستنجدة على مدى 5 سنوات، والثانية : على وقع استغاثة المتقاعد العسكري محمد الغنيمين الذي تتدهور صحته دقيقة بعد أخرى.

لا نعلم سبب القسوة الطارئة على الوزير “طبيب القلب” الذي حمل دوما شعارات “خدمات طبية تفوق العادة”، و “الغد المشرق في تقديم الخدمات الطبية” و “تقليص الفروقات بين المرضى ومقدمي الخدمة الصحية”، والذي قاد سابقا المبادرات الإنسانية الهادفة للتغيير الايجابي وتحسين الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين.

ولا أحد استطاع حل أحجية سحر كرسي صناعة القرار، الذي يحوّل “بقدرة قادر” كل مناضل وصاحب رسالة ومُطالب بحق، إلى أول من يطعن بذاك الحق وأول من ينقلب على الرسالة، فيحيل الايجابية إلى سلبية خانقة، والحق إلى مكرمة أو منّه ينازع لحرمان أصحابها منها.
الوزير الذي تحدث بنبرة باردة لا مبرر لها في حضرة “المرض”، عن ضرورة تحميل المريض جزءا من تكلفة العلاج، الذي أعجز دولة “الإنسان أغلى ما نملك”، ربما فاته أن أكثر من 70% من مرضى السرطان – الذين خصهم الوزير بالذكر في مقابلته آنفة الذكر- هم من الطبقة الفقيرة، وفقا للبيانات الصادرة عن جمعية أصدقاء مرضى السرطان.

في الحقيقة لم يتسنّ الحصول على إحصاءات دقيقة عن نسبة مرضى السرطان -فقط- من الطبقة الفقيرة، فالحكومة التي ينطلق لسانها فصاحة وهي تتلو علينا حجم عجز ميزانيتها، وكلفة علاج أمراضنا التي أصابتنا لفرط هناء ورغد عيشنا، وكلفة علاوة المعلم المنكوب، تتأتأ وتتلعثم أمام أسئلة واستجوابات النائب ديمة طهبوب عن إحصاءات خط الفقر، التي تعود أحدث نسخة رسمية منها للعام 2010.

الحكومة تثبت مرة أخرى، أنه بالإضافة إلى امتلاكها قلبا حجريا وعقلية “محاسب” تقليدي، أن حاسبتها تعمل بنظام “one way”، أي أنها تحسب ما لها فقط، في حين تعجز عن حساب ما عليها من واجبات وكلف مستحقة وأساسية تقع في بند الحقوق التي يكفلها الدستور وليست رفاهية.
المهم، من المبكر جدا اقتراب الوزير من محظور “الإعفاءات”، قبل إكمال رئيس الوزراء عمر الرزاز لمشروعه الذي أعلن عنه سابقا بتأمين صحي شامل لكافة الأردنيين والذي جاء استجابة لتوجيه الملك بتطبيق مفهوم التأمين الصحي الشامل.

عمليا على المسؤولين وأصحاب القرار ألا يتجرأوا على الاقتراب من الإعفاءات الممنوحة للأردنيين والتي تعتبر الملاذ الوحيد في ظل تكاليف علاج أمراضهم التي فاقت آلامها مداخيلهم، قبل توفير مظلة تأمين شامل عموديا وأفقيا، بمعنى أن ينضوي تحتها كافة المواطنين وان تغطي جميع الأمراض والعلاجات ذات الجودة العالية، بحسب رأي مقرر اللجنة الصحية النيابية، حياة المسيمي.

وترى المسيمي أن على الحكومة أن لا تستغل بعض التشوهات في طريقة منح الإعفاءات لمن لا يستحقها بطريقة أو أخرى، وتستعملها كحُجّة لوقف الإعفاءات، والأولى أن تصحح الاختلالات إن وجدت، بدلا من حرمان مستحقيها منها.

فأي توجه لوقف الإعفاءات أو حتى التفكير بهكذا خيار قبل التأمين الشامل، إهانة لأوجاعنا وآلامنا وصبرنا، وازدراء لروح عبدالله المشاهرة وكل من ماتوا عاجزين أمام قسوة المرض “اللي مش على قد مصاريهم”.

عمليا لا أحد منا يعتقد أن الإعفاءات وتقديم خدمات طبية “تفوق العادة” للأردنيين – أحد شعارات طبيب القلب – قد تخدش ميزانية الدولة وصناديقها ووارداتها كما تفعل الرواتب الفلكية وامتيازات الجلوس على الكرسي والتعيينات من تحت وفوق الطاولة لأصحاب الحظوظ الوردية، ولن تعيق “خطى النهضة”، أو تضيف خللا جديدا إلى “الطيارة الخربانة”، التي نحلق بها جميعا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى