الإعـلام الإلكتروني القاتل

الإعـلام الإلكتروني القاتل
د. قــدر الدغمي

يستطيع الإعلام حين يتجرد من أي مسؤولية أخلاقية، وحين ينفصل عن قضاياه الوطنية أن يتحول إلى ذراع للفتنة خاصة حين تحدد بوصلته المصلحة، ويتحكم في خطه التحريري بعض الهواه من خلال ما يمرّرونه من رسائل ويصنعون الضغط من أجل تعزيز حضورهم وشحن خطابهم التحريضي، أن يتحول لسلاح قاتل محترف يرتكب جريمة في حق الوطن.
شاهدنا بعد انتهاء العرس الديمقراطي حجم الفبركات الإعلامية على (السوشيال ميديا)، والمعلومات المضللة، والأخبار الكاذبة، والبيانات المزيفة، والصور المركبة، وتشويه سمعة وصورة الوطن وغالبيتها فيديوهات تم تصويرها في أستوديوهات متخصصة تبث للمتلقي على أنها في ميدان معركة.
حين تتحرك ماكنة (السوشيال ميديا) واسعة الاختراق، وتنشر بين الناس أخبارا عارية من الصحة تثير الهلع وتحول سكينة الناس لقلق مستمر، للتشويش والتزييف والفبركة وقلب الحقائق، كما يفعل من يستبقون الاخبار بعاجلهم الكاذب فهم يهزون ثقة الناس بمصادر إعلامهم الوطني، فـ إلى متى سيستمر هذا العبث والغباء، وأي أخلاق وأي مسؤولية وطنية في هذا.؟
لا خلاف على دور الإعلام ولا رفض لدوره، في كشف الحقيقة وفي تعرية الفاسدين والتأشير على العابثين بأمن الوطن واستقراره، وفي فضح التقصير وتسليط الضوء على مكامن الخلل لتصويبها، لكن هناك فرق شاسع بين الدور الحقيقي للإعلام وبين وسائل الإشاعات والبحث عن والإثارة والتهويل وإثارة الرعب بين الناس واشغال الدولة بهوامش الأمور.
حين يكون إعلام الدولة ضعيفا ومترهلا من الناحية الفنية والمهنية، وحين تكون مصداقية إعلام الحكومة مشكوك فيه فلا نتفاجأ حينها من الكم الهائل من الشائعات والقيل والقال وتأليف القصص الاخبارية هنا وهناك، فالإعلام الهادف هو الإعلام الذي يتحرى الدقة ونقل الخبر من مصادره وإن تعددت.
نحن بحاجة ماسة إلى إدارة تعنى بالمعلومات في بلد أصبحت تنتشر فيه الشائعات كانتشار النار في الهشيم، وهذا يتطلب حضور قوي وجريء خال من الارتباك، لا أن يترك الأمر للهواه الذين يتحدثون من خلف الشاشات ويتصدرون المشهد ويتحدثون تسويفا باسم العامة.
بالمجمل ليس هناك إعلاما نزيها، قد يكون هناك إعلامي نزيه لكن بنسبة معينة، ولكي يتحقق ذلك يحتاج إلى حاضنة موضوعية وحيادية، وهذه الحاضنة تفرض عليه توجها معينا تراه من وجهة نظرها منصفا، ومع حالة التشرذم وخلط الأوراق وتعالي الأصوات يصعب في هذا الوقت وجود إعلامي حر غير منحاز، إلا ما رحم ربي.
لا يوجد إعلام لوجه الله ولا يوجد إعلام خالٍ من التوجيه ومن المصالح، لكن بالمقابل توجد أخلاق وتوجد روابط إنسانية، ويوجد في المتحف الإنساني شيء يسمّى الصدق، ويوجد إحساس نبيل اسمه مراعاة مشاعر الناس واحترام عقولهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى