وزيرة الثقافة .. وذهنية اقصاء المكان الاردني / رسمي محاسنة

وزيرة الثقافة .. وذهنية اقصاء المكان الاردن
في الجمهورية الفرنسية الخامسة، كان الجنرال ديغول حريصا على أن يضع “أندريه مالرو” على رأس وزارة الثقافة، لأنه كان يدرك بحسه الوطني ومسؤوليته تجاه الامة الفرنسية، بان احد اهم عوامل بناء واستقرار وتقدم فرنسا هي الثقافة،ولا مجال للعبث بهوية وذاكرة الشعب.

وبما أن الدول الحريصة على تماسكها، تعتبر وزارة الثقافة من الوزارات السيادية، فإنه يتم التدقيق باختيار الشخصيات التي تتولى مسؤولية الثقافة، ولذلك كانت المفاجاة باختيار السيدة “بسمة النسور” وزيرة للثقافة، ولا اريد ان ادخل في تقييم لشخصيتها، ولا في منتجها الأدبي، إنما اطرح فقط بعض افكارها الموثقة بالصوت والصورة.

في لقاء تلفزيوني تقول السيدة الوزيرة،أن ” عمان” لم تكن موجودة، وان ” الشرق اردنيين” لم يكن لهم وجود، وكانوا معزولين في مناطق نائية، لدرجة أن سيدة سلطية طلبت الطلاق من زوجها الذي كان يريدها ان تنتقل معه الى عمان.ولم يساهم الاردنيون “بتأسيس” مدينة عمان.

اي عبث هذا بالذاكرة والتاريخ والجغرافيا، ان “عمان” عرفت الوجود البشري قبل 9 آلاف عام، وحضارة وتماثيل “عين غزال” موجودة، وتعاقبت عليها حضارات بدءا من ” العمونيون” الذين ينسب اسمها لهم.والسيدة الوزيرة هي مديرة بيت” تايكي”، و”تايكي” هي حارسة” عمون” في الميثولوجيا القديمة،

مقالات ذات صلة

هكذا وبجرة قلم تقوم وزيرة الثقافة الاردنية، بشطب اسم عمان من التاريخ والذاكرة، وتعزلها جغرافيا وديموغرافيا عن الاردن والاردنيين، فهي المدينة النائية التي تبكي النساء وتطلب الطلاق حتى لاتذهب الى ذلك المكان المجهول، وكذلك الشرق اردنيين لم يكن لهم أي حضور، او مساهمة في تأسيس ” عمان”.

ثم من هم الشرق اردنيين يا وزيرة الثقافة؟ ماهي خطوط الطول وخطوط العرض التي تعتمدينها في هذه القسمة؟ وبما انك الان وزيرة للثقافة، فهل تدخل عمان من ضمن مجال اختصاصك بما انك وزيرة الثقافة الأردنية؟ ام انك وزيرة الثقافة الأطراف خارج ” عمان”؟.

من المفارقات ” أو ربما هناك من يعمل بقوة على هذا التوجه”، أن كلام السيدة الوزيرة ينسجم تماما مع طرح مسلسل” ابناء القلعة” الذي تنبعث منه رائحة وكلاء” محمد دحلان” في الأردن، عن نص لكاتب معروف تاريخه، وكتاباته ضد الأردن، وماذا كان يروج بين صفوف المقاومة، وما هو الحكم الذي صدر عليه، وهروبه للاردن، ليحتضنها أمين عمان انذاك، ويبدأ سلسلة تشويه التاريخ الاردني، والمسلسل بمباركة ومساهمة تجاوزت النصف مليون دينار من التلفزيون الاردني مقابل نسخة العرض الهزيلة فنيا وفكريا.

في الوقت الذي يلتهب به الإقليم، ونعيش حصارا مبرمجا، ونعاني فيه من الفساد ، فإن هذا الوقت هو احوج مانكون فيه الى وجود وزارة للثقافة يتم تفعيل دورها،والمساهمة في بناء الشخصية الوطنية، وتعزيز القيم الوطنية،وحماية عقول شبابنا من الاختطاف،وبناء سور ثقافي عالي يحول بين شبابنا وبين الغلو والتطرف، وإحلال قيم الجمال مكان الأفكار الهدامة، بدعم المواهب والابداعات، وتعميم المعرفة، والعمل ضمن إطار قناعة حق الانسان الاردني بالمعرفة، وتنويع مصادرها من مسرح وموسيقى وسينما وفنون الأدب، فالفقر والبطالة وتغوّل المتنفذين،واستشراء الفساد والفاسدين، كلها عوامل تجعل من شبابنا فريسة للفكر المتطرف، والجنوح نحو الجريمة، ومن هنا تأتي أهمية أن يكون هناك استراتيجية ثقافية وطنية شاملة تعزز كل ماهو وطني وانساني ونبيل في عقل ووجدان المواطن الاردني.

وفي ظل كل هذه الظروف، ووجود ملفات في وزارة الثقافة بحاجة الى اعادة نظر شاملة، مثل ” التفرغ الابداعي” الذي يتم منحه كيفما اتفق، وميزانيات المهرجانات الهزيلة، ومراجعة ميزانية مهرجان جرش “المليونية” التي تجرف حصة الثقافة مقابل برنامج لم يعد فيه جديد.

فكيف ستتعامل السيدة وزيرة الثقافة مع كل هذا، وهي تحمل ذهنية إقصاء وتهميش المكان والإنسان والذاكرة،والتاريخ الاردني؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى