الفساد…سوس الدول / جمال الدويري

الفساد …سوس الدول
…حلقة جديدة من مسلسل الفساد الخطير, الذي يئن تحت اثقاله وقساوة آثاره, وطن بكامله وشعب بكل شرائحه وعديده, الا شتاتا اختار ان يكون جزءا من هذه المنظومة الفاسدة, وأحد المستفيدين منها.
ولطالما قد كتبنا بشأن الفساد والفاسدين والمفسدين, وتكررت القصص والروايات والأحداث, حتى بتنا نحفظها عن ظهر فساد, شكلا ومضمونا وشخوصا ومحاسيب. وقد يقول قائل, ان للوطن هموما اكبر وأخطر, وأجدر بالبحث والتناول والكتابة, كالمؤامرات الكبرى على الكيان والسيادة والهوية الوطنية, وصفقات العهر والعصر والقرن, ومستقبل هذا الحمى الصابر المرابط العزيز وكينونته, وهي بالفعل كذلك, ولكن الأشياء بمسبباتها, والواحدة تهيئ للأخرى, والفساد والإفساد ونشر سوسة هضم الحقوق وتفشي اللاعدل واللامساواة وفكر التغول على الوطن ومقدراته والوظيفة والمال العامين, لهي من الظواهر الأخطر على السيادة ومنظومتها, والدولة وأركانها, مما يسهل تنفيذ المؤامرات الكبرى ويوطن للضربة القاضية, لا سمح الله.
وكم رفع شخوص الفساد وممثلوا منظومته والمستفيدون من وابل عطاياه, عقيرتهم, تجاه من يشير الى هذا الخلل الكبير الخطير, وأشكاله ورعاته, لا بل وكم جرجروهم للمحاكم والسجون, بتهم اقلها اغتيال الشخصية والقدح والذم…الخ, التي شرعوا لها وفصلوا القوانين والأنظمة على مقاسات تنال من كل من ينبس ببنت شفة تجاه الفاسدين ومنظومتهم, حتى حصن الجناة انفسهم, وباتت ضحاياهم من المحرومين مكشوفة بلا غطاء او سند, تتجاذبها حقيقة هضم الحقوق, وفطرة الدفاع عن النفس, وخوفهم على حريتهم واشكالية أحكام تهددهم, جراء عجزهم عن اثبات وتوثيق ما يطرحون ويدعون.
(أعطونا وثائق واثباتات), هو صوت النشاز واسطوانة القهر المعهودة التي يصفعوننا بها صباح مساء, وبلا هوادة, وكأن السارق يوثق فعلته والحرامي يصور نهبه وتجاوزه, ويترك خلفه آثارا وبصمات, ثم يهديها لصاحب البيت, ليمكنه من اقامة الدعوى ضده ومحاسبته. هذه الجملة الكريهة, اصبحت الجواب الجاهز الحاضر المعروف على كل اشارة او ادعاء او شك بحق فاسد او مجموعة فساد او أداء يشوبه استغلال المنصب وغل اليد بالمال.
فتمادى القوم, وجنحوا الى بيع ونهب كل شيء, وأعطوا لأنفسهم وما ملكت ايمانهم, الحق والمبرر, (بلهط) ما تصل اليه ايديهم وسلطتهم وضمائرهم الغائبة, من مقدرات الوطن وحقوق الغير, وبلا حدود او روادع من اي نوع كان,
ولست هنا بصدد التعداد وتكرار ما قيل عن المنهوبات والهدر والبيع والتأجير (والسلبطة) على مقدرات وممتلكات الدولة الأردنية, ومخزون اجيالها ومستقبلها من مصادر ربحية ممولة لها, وعقار وحراج وأملاك عامة, فالقائمة تطول وتعرض, ومعروفة لكل متابع وصاحب بصيرة وبصر, ولكن ما يجري الحديث عنه هذه الأيام من تعيينات ووظائف عامة, غير قانونية, وتمثل بوضوح, شكلا صارخا من اشكال الفساد والمحسوبيات, بل ربما صورة مريبة مخيفة من صور تحالف السلطات وتبادل المنافع على حساب الحق والقانون والغلابى من المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة, والتي هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة, في قائمة التجاوزات والتغول, انما تمثل عدوانا واضحا وثق نفسه وقدم بذاته الية تفجيره وكشف اسراره وأبعاده, ففي حين يطالعنا رئيس الحكومة وبتكرار ممل, بالحديث عن حكومة النهضة, ودولة القانون والعدل والشفافية والمساواة, يضطر ملك البلاد وعلى عجل, بالاسراع الى مقر الرزاز وطاقمه الوزاري, لإطفاء حريق الهبات الوظيفية, وثمار التبادل غير الحميد للمنافع بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية, دون الاكتراث بأصحاب الأحقية بالوظيفة والمنصب العام, او حتى تمثيل مرورها من خلال ديوان الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة وقوانينها الناظمة.
وإنني وبهذا السياق, لا اتحدث بالطبع, عن اربعة او خمسة, تعيينات لأشقاء النواب, التي فضح امرها مؤخرا, بل عن نهج وديدن منظومة كاملة, غاصبة للحقوق ومنتفعة على حساب العامة, استأثرت بالجُلّ الأكبر من الفرص والوظائف والمنافع من أعلى السلم الوظيفي الى أدنى مربوط درجات المناصب والكراسي, وتمتد من توارث متواتر غير شرعي او قانوني لرئاسة الحكومات والوزارات, وحتى متوسط الوظائف وصغيرها.
ودون اللجوء مجددا لأسطوانة سؤالنا عن الاثبات والتوثيق, فلتقم اجهزة الدولة الباهظة التكاليف, من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الى ديوان المحاسبة وغيرها, بواجبها الوظيفي بمهنية واحتراف دون تدخلات الفسدة وناهبي الوطن, ولتنقب عن مئات الوظائف والمناصب التي منحت دون وجه حق لذوات او ذوي ذوات ومحاسيب, وسوف نكون بألف خير ونعمة.
وبما ان تمرير كل هذا الغث والغش والتدليس, يحتاجة لبصمة صاحب الولاية العامة, رئيس الحكومة الأفخم, والتي مهر بها كل هذه التجاوزات, فإنه لا بد من اقالة الرزاز وحكومته, ومساءلتهم القانونية, عن اسباب هذا التسيب والتجاوز, وعندها سنقتنع بأن القانون للجميع والحق لصاحب الحق.
الفساد سوس الدول, ينخر عظمها ويقوض اركانها, فلا تكتفوا بكسر ظهره, بل اقطعوا دابره واجتثوا جذوره.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى