الدولة الاردنية وازمة “إرث الانتخابات البرلمانية”: الكبار يحجمون عن التحول لشهود زور والشارع بمزاج “خذلك عمود” ا

سواليف

يتعاظم ارث الانتخابات البرلمانية السابقة بوجه الدولة الاردنية اليوم كـ “صخرة” في طريق المضي قدما في الانتخابات المقبلة، خصوصا وهي تدرك تماما ان مخازن اصوات كانت معطّلة في السابق ستنخرط في عملية الاقتراع لصالح جماعة الاخوان المسلمين.

الناخبون يعبرون بعدة طرق عن عدم ثقتهم بالعملية الانتخابية، الامر الذي يتحدث عنه في ندوة عامة احد النواب السابقين باعتباره مبررا للمال السياسي الاسود، طارحا المثل الشعبي “اذا بيتك انسرق خدلك عمود”.

المثل المذكور بالاردنية يعبر عن الانخراط في السرقة والتزوير والبحث عن المصلحة الشخصية الآنية بدلا من الانخراط الفعلي في العملية الانتخابية، وهو الامر الذي يقوله رئيس وزراء اسبق ومخضرم من وزن طاهر المصري وهو يشير الى عدم انخراط “الكبار” في العملية الانتخابية حتى “لا يزوّر ضدهم او يصبحون شهود زور”، والحالتين المذكورتين يعرفهما الأردني جيدا.

ففي الحالة الاولى عاشت المملكة قبل اعوام مرحلة اعلن فيها مدير المخابرات الاسبق محمد الذهبي- على سبيل المثال لا الحصر- انه “عيّن” عددا من النواب بمعنى انه تم فعليا التزوير لصالح اشخاص ضد اخرين.

الثانية (ان يتحول النائب لشاهد زور) تبدو واضحة مما عرف لدى الاردنيين بـ “نواب الالو” وهم الذين يغيرون اراءهم ومواقفهم تبعا لمصالح شخصية او حتى علاقات مع قوى في الدولة.

نائب قوي في الخبرة الاقتصادية وله احترامه من وزن المهندس عدنان السواعير قال علنا وعدة مرات اخرها في ندوة اقيمت بالتعاون مع مؤسسة طلال ابو غزالة، ان مجلس النواب “لا يغير شيئا في الواقع عما تريد الحكومة”.

أمام الجملة المذكورة بدأ جدل بينه وبين زميله احمد الجالودي حول ما استطاعوا طرحه امام القبة، ليوضح السواعير “الا اننا كنا في النهاية نعود لمقترح الحكومة” وهنا سرد قصصا عن قوانين تم اعادة التصويت عليها واخرى عادت من مجلس الاعيان وهكذا.

المهم ان النائبين (السواعير والجالودي) أصرا ايضا على ان الناخب عليه ان يدلي بصوته، مشيرين الى ان الكثير من الضمانات التي تقدمها الدولة تدل على عدم وجود قرار مرجعي في التدخل بمجرى العملية المقبلة.

رجال دولة مختلفين ومن كل المستويات يتحدثون بذات السياق عن عدم وجود مؤشرات لنية عبث، لا بل ويصرون ان العبث في هذه المرحلة باهظ التكاليف خصوصا في ضوء وجود الهيئة المستقلة للانتخاب، والتقارير الدولية التي تشيد بجهودها.

بالمناسبة، خبراء في مجال الانتخابات عدّوا خطوة رئيس الهيئة المستقلة الدكتور الكلالدة في فتح المجال امام كل الهيئات والمؤسسات الدولية لمراقبة سير تحضيرات الانتخابات واجراءاتها، خطوة فيها الكثير من الدهاء السياسي، باعتباره يحصّن نفسه والهيئة امام كل الاجراءات المحتملة من الخارج.

هنا حصرا يحصن الكلالدة هيئته من سيناريوهات تدخل الاجهزة الامنية او مراكز القوى في التزوير او العبث في الارقام.

أمام كل ذلك، وامام احجام “الكبار” كما يسميهم المصري عن الترشح، تبرز المخاوف الشرعية لدى الحكومة من عدم وجود بدلاء وطنيين للتيار الاخواني الذي يرمي اليوم بكامل ثقله السياسي في معركة اعتزلها منذ سنوات، الامر الذي يعني ان التيار المذكور سيكون المحفز الاقوى للانتخاب وبالتالي كسر حواجز كل الارقام المتوقعة له في البرلمان ان لم يتم العمل على تحفيز من هم ضد توجهات التيار للانتخاب، وايجاد بديل وطني حقيقي يحفزهم اصلا على انتخابه.

الى جانب ذلك، يعتبر وزير الداخلية الاسبق الجنرال حسين المجالي ان عدم الانخراط في العملية الانتخابية هذه المرة سواء بالترشح او الانتخاب، يعني ان الكثير من التيارات والجهات لا تعي الرسالة المبطنة لكل الضمانات التي تضعها الدولة اليوم لضمان نزاهة الانتخابات.

الرسالة المذكورة كما يقرأها المجالي تتناغم مع سياسة فرض هيبة الدولة التي ظهرت مؤخرا، الامر الذي يعني ان من يريد الانخراط بالعمل السياسي لن يكون الشارع والميدان هو طريقه الى ذلك وانما البرلمان حصرا، ولهذا السبب تتخذ الدولة كل الضمانات للحرص على ايجاد تيارات سياسية معارضة ولكن داخل اطار العمل البرلماني المنظم.

بهذا المعنى تكون جماعة الاخوان المسلمين الاصلية ممثلة بذراعها السياسية حزب جبهة العمل الاسلامي، اول من التقط الرسالة التي اوضحها المجالي برؤيته لـ “رأي اليوم” في جلسة خاصة غير مخصصة للنشر.

من هنا يستشرف خبير في الشأن الداخلي كالمجالي ان الايام المقبلة تتطلب من كل من هو معني بالسياسات وتشكيلها وتعديلها ان ينخرط بالعمل السياسي البرلماني، سواء بالترشح او بالانتخاب والدعم المعنوي للشخصيات القوية وذات الحضور.

ما يقوله المجالي يأتي متمما لما قاله الخبير الاقتصادي الدكتور عمر الرزاز في جلسة نقاشية اقتصادية قبل ايام، وهو يطالب بإصلاح سياسي يسبق الاقتصادي ليستطيع المشرعون الشرعيون تطوير الحياة الاقتصادية بصورة ايجابية بدلا من البقاء في سلسلة المآزق الاقتصادية السياسية الحالية.
بكل الاحوال، ايام قليلة تفصل الاردنيين عن الترشح الرسمي (بين 16-18 آب الحالي) ما يوضح الصورة اكثر بكثير من التكهنات الحالية، وهنا حتما تتضح الخيارات بصورة اكبر، رغم ان مساحة المفاجآت باتت محصورة بالنسبة للاسماء المترشحة.

الدولة اليوم بكل اطيافها تحاول تحفيز الناخبين على الاشتراك في العملية الانتخابية والتصويت لمن يريدون، مع المبالغة في التصريحات الحكومية التي تؤكد “نزاهة” العملية المقبلة، الا انها حتى اللحظة لا يبدو ان معها خيارات حقيقية للتحفيز باتجاهها، وهو بكل الاحوال خيار غير مطلوب منها، الا انها تخفق ايضا في جذب الانتباه للتصويت ضد بعض الشخصيات وتستغل مواردها واذرعها الاعلامية في مناكفات مع شخصيات لها حضورها الجدلي.
(رأي اليوم _ فرح مرقة)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى