الأسرة نبضُ مجتمعنا الأخير / أ.د حسين محادين

الأسرة نبضُ مجتمعنا الأخير..
علمياً ودينياً؛ الزواج علاقة جنسية شرعية بين ذكر وأنثى هدفها إشباع غرائزهما الفطرية وصولا للانجاب وتحقيق السكنى بين الزوجين من جهة؛ومن الجهة الثانية حفاظا على عضوينتا كأسر في المجتمع والمساهمة في تطوره بشريا؛وهي علاقة وجدانية وتكافلية يُفترض انها مستمرة لاتنتهي دينيا الا بالطلاق أو انتهاء أجل احد الزوجين.
ولعل السؤال الموجع والقائم الآن هو؛لماذا تزداد نسب حالات الطلاق في مجتمعنا الأردني كما تشير إحصاءات الدوائر الشرعية، خصوصا في السنتين الاوليين من الزواج؟
وهل وصول نسب حالات الطلاق عربيا الى ما يقارب25% من حالات الزواج مؤشر طبيعي على سوية أسرنا؛ ام انه تعبير صارخ عن تراجع الكثافة الدينية الداعمة لمضامين الاسرة وادوارها المجتمعية؛ مقابل صعود النهج المدني والفردي في مجتمعاتنا العربية المسلمة عموما؟
علماً وتحليلا من منظور علم اجتماع الاسرة لهذا الخطر الاجتماعي والاخلاقي المتنام ارى انه يمكن تحليل هذه الوقائع استناداً الى ما هو آت:-
1-ان انماط التنشئة/التربية الاجتماعية غير العلمية والتي نتعلمها اطفالا ويافعين من خلال اسرنا نحو الجنس الاخر هي جذر المشكلة الاسرية لاحقاً؛ وتتمثل فب كيفية تشكُل مفاهيمنا وتصوراتنا عن طبيعة ومصاحبات العلاقات الجنسية كأساس في بنية الزواج نفسه؛ وهذه غالبا قاصرة الفهم لدينا اباء وابناء لانها تعمل بالضد من فطرتنا الغريزية كبشر، كما اننا لا نُعد اصلا لفهمها علميا وبالتدرج مع نمونا النفس عقلي كما يجب؛ إذ مازالت ورغم كل التطور وارتفاع نسب التعليم لدينا تُمثل ممنوعا إجتماعيا او مؤجلا في تربيتنا الاسرية لابنائنا”لمّا بكبروا بتعلموا”. ولا ننسى كذلك طبيعة العلاقات بين ابائنا وامهاتنا كنماذج وكقدوة لنا من خلال كيفية تعاملهما واحاديثهما مع بعضهما ، مايجعلنا ضمنا كشباب من الجنسين نعُيد إنتاج او تكرار نموذج الوالدين تقريبا ولكن في أسرنا نحن بعد ان كبرنا؛ اي ان خبرات الطفولة وتأثيرها سواء “الفرِحة او المؤلمة” التي نتشربها في طفولتنا تؤثر لاحقا على نوعية واتجاه وعينا، وطرق تعاملنا مع انفسنا وازواجنا واولادنا ايضا، سواء بالسلب ام الايجاب.
2- في مجتمعنا الذكوري بامتياز فأن المرأة المُطلقة خصوصا غير الموظفة هي الاكثر تضررا على الصعيدين المالي بحكم اعتمادها الأكبر على زوجها في الانفاق وتلبيته لمتطلباتها الشرعية؛ومعنويا بحكم ما يُعرف بالنظرة غير الايجابية غالبا نحو المراة المطلقة ترابطا مع زيادة الوصاية عليها من الاشقاء او غيرهم من ابناء العمومة احيانا؛ باعتبارها فريسة ،او مُستهدفة من الاخرين للاسف،وهذا الواقع هو نتيجة للفهم الخاطىء المكتسب عبر انماط تنشئتنا التي ما زالت تُفضل الذكور على الاناث للآن عموماً .
#ان وجود الاسرة كتنظيم ديني واجتماعي وعاطفي واقتصادي اساس وضروري في مجتمعنا الاردني انما يساهم في الحفاظ على المنظومة القيمية السليمة لنا من مختلف الاصول والمنابت؛ انطلاقا من الاسرة وادوارها التعليمية والاقتصادية الموجهة لنا هي التي تُكسبنا وتُلزمنا كأفراد من الجنسين بتعلم وممارسة ما هو المسموح الاخلاقي والاجتماعي و الابتعاد عن ما هو منهي عنه او غير مقبول كجزء من مقومات التماسك الاجتماعي وتأطير للحريات الفردية والجماعية عبر نوعية وأهمية العادات والاعراف والتقاليد والقوانيين التي تُشكل متفاعلة هوية مجتمعنا الاردني المميزة له عن غيره من المجتمعات العربية والاسلامية؛ وبالتالي علينا جميعا الحفاظ على الاسرة الاردنية لانها مستودع المعارف الدينية والحياتية والعلائقية لنا ولجميع افراد المجتمع،كي نحافظ ضمنا على توازن علاقتنا وتناميها افرادا ومجتمع أشمل وبصورة تحترم الخصوصية الاسرية التي تتكامل مع علاقات واهدافنا المجتمعية بالمعنى التنظيمي والانساني كأساس.
3- لاشك ان من مُهددات البناء الاجتماعي والقيمي لمجتمعنا الاردني الحالي هي :-
ا-تأخر سن الزواج لدى الجنسين بحكم ارتفاع تكاليف الحياة وغلاء المهور من ناحية ومن الناحية الثانية رغبة شبابنا من الجنسين في اكمال تعليمها وبناء حياتهما لاحقا كما يُبرر عادة.
ب- دخول التكنولوجيا وتحديدا خدمات”الجنس الالكتروني” وظهور المؤسسات الوسيطة”فنادق،محلات مساج،رخص تكاليف السفر،زيادة الحريات الفردية لدى الجنسين..الخ واللتان تقدمان الخدمات الجنسية المتنوعة والمنافسة لادوار الاسرة الاساسية ولو بصمت ومعرفة مسكوت عنها اجتماعاً؛ وبالتالي فأن هذه المعطيات قد قلصت اهمية الزواج ومكانة الاسرة هذه الايام بالنسبة لشبابنا الذين يشكلون النسبة الاكبر من مجتمعنا الاردني.
ج- ان ارتفاع نسب الطلاق اللافتة لدينا إنما تنبئء بضعف بنية وادوار الترابط والتكافل الحياتي الذي تدعمه الاسرة الاردنية اصلا،ولكن جراء ضعف العلاقات القيمية الجماعية وسيادة القيم الفردية اضحت اولوية الزواج وبناء الاسرة بالنسبة لشبابنا ليستا ذات اولوية لديهما كما كانت عند اجيال الجدود وحتى الاباء ؟وبالتالي هل نحن مقبلون على ضمور مفهوم الزواج الشرعي كما في الاديان لصالح ما هو مدني من انواع اخرى من الزواج والعلاقات العابرة والحرة، لتغدو علاقة الشباب تشبه علاقتهم المعاصرة مع السلع الاستهلاكية والوجبات السريعة اي الاستخدم لمرة واحدة لانها بفهمهم الاسرع والاقل كلفة والتزامات من استحقاقات الزواج المرهقة والمستمرة مالا ومللاً ورتابة؛ وهو ما يوصف علمياً ب”الطلاق العاطفي الصامت بين الزوجين” وتُستبدل علاقة الزواج لديهم بغيرها من الاشكال الاخرى له فضولا وسرعة تجدد ورغبة بتقليد الحريات الغربية مثلا في عالم النموذج الغربي والعولمي المُتسيد للعالم حاليا تكنولوجيا بصرية آسره ، لغة انجليزية، وانماط استهلاكية
واجتماعية..الخ ؛ اسئلة وتحديات بحاجة لنقاش تحليلي غير مُجامل تحت عنوان الأسرة الاردنية التحديات والمآلات الى أين..؟.
فهل نحن متنبهون لهذه الوقائع افرادا ومؤسسات مجتمع؛ وماذا نحن فاعلون عمليا للحفاظ على أسرنا كونها النبض الاخير في البناء التنظيمي والاجتماعي لمجتمعنا الاردني الشاب؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى