إقرار موازنة 2018 .. ما بين السياسة والاقتصاد/ منذر أبو هواش القيسي

لم يتوقع الشارع الأردني بكافة مكوناته السياسية والاقتصادية والشعبية أن تُقَر موازنة عام 2018 التي قدمتها الحكومة لمجلس النواب ، والتي تحمل في تفاصيلها الكثير من المعالم الاقتصادية التي تمس مباشرة الطبقة المتوسطة والفقيرة في المجتمع ، هذه الموازنة التي تحمل للمواطن رفع الدعم الحكومي عن الكثير من السلع الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها ، كان الأمل فيها أن تكون أقرب لواقع الناس أكثر ، وكان الأمل في إقرارها أن يكون بعد تعديلات جذرية وجوهرية عليها تأتينا بحلول إبداعية حقيقة لتغير الحال .
يمر الأردن الآن في المرحلة الاقتصادية الأصعب منذ عقود ، مرحلة تخلى عنه فيها بعض الحلفاء الاستراتيجيين ، فمن بين نسيان لدور الأردن في المنطقة من بعض الدول العربية ، إلى تخلي حقيقي من الداعمين وبعض الدول عن دعم الأردن في دوره الإنساني مع ملايين اللاجئين ، إلى سياسات اقتصادية للحكومات المتعاقبة أرهقت الاقتصاد الوطني بشكل واضح وملموس .

وفي ظل هذه المعالم يأتي علينا مشروع لموازنة عام 2018 والتي تحمل معها الجدل الشعبي كثير ، هل سيأخذ النواب دورهم الفاعل في تغيير البوصلة ومسك زمام القرار بما يوجه الحكومة لما هو أقوم من الجباية من جيب المواطن المثقوبة ؟ ، وهل ستتفهم الحكومة وضع المواطن الاقتصادي والظرف السياسي العصيب في ظل نسيان البعض ليد الأردن التي امتدت لخدمة المنطقة ككل ؟ ، هل ستكون اللحمة الداخلية وضمان سلامة الصفوف أولى من التمسك بسياسات اقتصادية بالية لحكومات متعاقبة ؟ ، والجدل في هذا كثير ولسان حال الشارع في البيان كبير ..

يأتي هنا واقعاً آخر لمجلس النواب الذي كان يعول البعض عليه ما يعول ، وكيف يمر الإقرار منه بلا أدنى نقاش جاد وفعال أو محاولة تغير حقيقة في واقع الأمر ..

حلول كثيرة ..
لقد قدم العديد من الأطراف حلول اقتصادية كثيرة وقويمة ، ولكن الحكومة ألقت بها عرض الحائط أو صفتها في الأدراج طي النسيان والإهمال .
لقد قُدمت حلول كثيرة وبدعة في مجلس النواب ، قُدمت بشكل فردي من النواب .. وبشكل جماعي من الكتل .. وبشكل رسمي من اللجنة المالية في المجلس .. ولكن لا مجيب ولا مستجيب .
لقد قامت بعض الأحزاب والصالونات السياسية والبرامج التلفزيونية والمنتديات بصياغة العديد من الحلول الجوهرية للخروج من عنق الزجاجة ، ولكي تتفادى الحكومة جيب المواطن في سياستها الجبائية ، ولكن الأمر مظلل ومطموس عليه كأن شيء لم يكن .

مقالات ذات صلة

إقرار مستعجل !
وفي حادثة هي الأولى من نوعها ولأول مرة تقر موازنة الدولة لعام كامل بيوم واحد فقط ، لست أدري كيف فكر البعض وكيف قدر وقرر ، إننا لنرى شركات متوسطة لا تتعدى ميزانيتها الملايين وكيف تقر ميزانيتها السابقة واللاحقة بتروية ودراسة متعمقة أخذة بعين الاعتبار كل الظروف المواتية والتوقعات المحتملة لما هو قادم ، وآخذة بآراء القاصي والبعيد والداني والقريب ، وهذا يعطينا إشارة هامة لنوعية بعض السادة النواب الذين أفرزهم صوت الشعب وفق قانون الانتخاب الحالي .

تراجعات بالجملة !
حينما يوقع 106 نواب على عريضة تنص على عدم رفع الدعم عن السلع الأساسية وخاصة الخبز على المواطن ، وأنهم لن يقروا الموازنة بذالك ، ومن ثم نجد أرجحة حقيقة في الواقع وعند التطبيق ، نعرف كم هي الأزمة الأخلاقية لدى البعض ، ونعرف كم حجم الهوة والفجوة ما بين الشعب ومجلسه الذي انتخب .

تغيب معيب !
حينما نقرأ ما بين السطور في حال من تغيب من النواب عن جلسة ” الإقرار ! ” فإننا نرى أن أحوالهم إلى ثلاثة مسارات ، فما بين صاحب رأي سياسي يقدر على ما فعل ، وما بين صاحب ظرف طارئ يعذر في حاله ، وما بين غير مبالي بالموضوع ، غير آبه به كأنه في دولة بعيدة لا تعنينا ، فليلة عيد الميلاد خارج البلاد مع الأولاد أولى وأهم من مصير أنات لجائعين لا يجدون حتى الخبز !

ببراجندا إعلامية ..
بعض النواب يجيد صنع البهرجة الإعلامية ، ويتقن دور جلب الأضواء والكمرات عليه ، وفي واقع الأمر ما هي إلا هرطقة وفقاعة إعلامية فقط ، وقد رأينا ذالك لبعضهم ممن ظهر أمام الناس وعبر الشاشات وهو يقسم أنه سيستقيل إن أقر رفع الدعم ، يصرخ ويجلجل في صوته جنبات المجلس .. وعند ساعة الجد رأينه منسحب من كل شيء فلا صراخ ولا مواقف شعبية ولا تواقيع لا تساوي ثمن حبرها ، وكان الأمر منهم إقرارٌ بلا أدنا نقاش أو محاولة للتغيير ، وهذا أمر يعطينا كم الواقع خطير ومرير عند البعض .

وهنا أقول إن التفصيل بما جرى سيطول ، وإن الحديث حول الواقع الاقتصادي لن ينتهي ، ولكن المأمول الحقيقي في قابل الأيام أن يكون هناك نية تغيير حقيقة تأخذ على عاتقها أصلاح شامل لكافة المجالات ، يتربع على رأسها إصلاح سياسي فعال يفرز نواب ذو كفاءة عالية ، ويتلوها تغيير جذري في السياسة الاقتصادية في الأردن ، وهنا بيت القصيد ، وهنا ما ينبغي أن نفصل فيه ونأخذه إلى جانب مشاريع عملية تطبيقية لا نظرية وحسب ، والقادم يحمل في طياته أمل كبير إن تكاتفنا وأحسنا العمل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى