الأردن .. ” لزيز “

الأردن .. ” لزيز “
سهير جرادات
كلنا يذكر تلك الاستضافة التلفزيونية لاحدى الإعلاميات العربيات خلال وجودها في الأردن لتغطية فعاليات مهرجان جرش ، عندما سألتها المذيعة الأردنية عن رأيها بالأردن كونها الزيارة الأولى للضيفة ، وجاء الجواب الصادم عندما ترجمت مشاعرها بكلمتين فقط ، وبعيدا عن اللهجة الأردنية التي تمتاز بالتفخيم والتشديد عند نطق معظم حروفها ، قالت بلهجتها المخففة :” الأردن .. لزيز”
وبمقدار دهشة المذيعة الأردنية التي تداركت الأمر ، وبدأت تسأل الضيفة عن الأماكن التي زارتها في الأردن ، جاءت دهشة المواطن الأردني أكبر لقناعته بأن من يعرف أن الأردن .. ” لزيز ” لا بد أنه؛ ينام مديونا ويصحو مهموما .. بيته مرهون للبنوك ، وسيارته بالأقساط ( فيما لو تملك) .. ومطلوب للتنفيذ القضائي .. ترعبه فاتورة الماء والكهرباء.. يترقب قرارات رفع أسعار الكاز والغاز .. أجمل ذكرياته مع صوبة “البواري” .. وأمتع حكاياته تلك التي تروى حول صوبة الكاز الحمراء ” فوجيكا ” في ليالي الكوانين الباردة .. ودلف الماء من السطح بمثابة أغنية رومانسية .. ويعيش في كابوس وضع إشارة الحجز التحفظي تمهيدا للبيع بالمزاد العلني…
نعم يا سادة ، الأردن .. ” لزيز” بتقديره للصوص والحرامية ، بعد أن تولى بعضهم أعلى المناصب واصبحت البلد تحت سيطرتهم ، حتى أمِنَوا عدم المساءلة والمحاكمة .. حتى نخر الفساد البلاد ، وبدت الإدارة العامة مرعوبة من مكافحة الفساد ، وتحول (حرامية البلد) إلى ( مفتاح الفرج ) لأتباعهم من الطامحين بالحصول على المكافآت والمزايا ، التي لا تتناسب مع بلد فقير على أبنائه وغني على لصوصه!! .. وبذلك يكونون قد حولوا البلد إلى فريقين ، فريق (يسود ) ويتمتع بخيرات البلد ، وفريق يخدم ويحرس مصالح البلد ، ولا يصل إلى حد الشبع!!
وفي نهاية المطاف ، يترك لنا اللصوص بعد إنهاء خدماتهم على رف المكتبة مؤلفا يتحدثون فيه عن بطولاتهم ، ويتغاضون عن كتابة أهم فصل فيه يتحدث عن كيفية التمتع بخيرات الوطن ، وتحويلها من الخانه العامة إلى خانة الجيب الخاص!! ..

صحيح الأردن .. ” لزيز ” عندما يستنجد متقاعد عسكري، وهو في الرمق الأخير، ويتحدث عن وضعه الهش والمؤلم ورفاقه الأوفياء الذين حموا البلد وحافظوا على أمنها واستقرارها ، ويشتكي من ضيق الحال وضعف الرواتب و (هزالة) معاشات التقاعد .. فيتعرض للتنمر وللإهانة ، ويُكسر خاطره ، وينسحب بكبرياء العسكر وهو يردد عبارة ” الاكتفاء بالأمن والأمان “.. فتثور ثائرتهم ويغضبون ، ولا يقدمون الحلول ، ويبقى الحال على ما هو !!..
الأردن ..” لزيز” عندما يستصرخ فنان وهو على سرير الشفاء ويشتكي المرض والألم والعازة ، ويتحدث بمرارة عن حال الفن المتعثر ، وغياب حقوق الفنانين بشمولهم بالضمان الإجتماعي لغاية التقاعد ، وحصولهم على التأمين الصحي.. ويعاتب (البلد) الذي لم يبخل عليها بصوته وفنه.. وغنى وفاء لها ، وبدورها تنكرت البلد له ..
صحيح أن الأردن .. ” لزيز ” للمتنفذ واللص والحرامي ولكل غريب ، لكن الأردن سيبقى “عزيز” على قلب الغالبية العظمى من أبنائه الذين لم يتذوقوا يوما لذته ، ولم يتعرفوا على طعمها ..وأصلا لا يعرفون كيف يلفظون على طريقتهم ” لزيز ” ..
Jaradt63@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى