شعبي ;رواية بلا کاتب !

شعبي ;رواية بلا کاتب !
شبلي العجارمة

…,من مثلي يسمع تعاليل الشتاء حول مدافیء الکاز الأشد برودة من ليل الشتاء المتجمد ذاته ,ومن تيقن أن الکرم العربي بات فرس حاتم الطاٸي التي تحتضر علی عتبات زمن الضيق والقحط والحرمان والتجويع ,من يخالفني الرأي بأن أکثر ما يبعثر دفء هذه البيوت بأکوام لحمها هو عبارة الولد الصغير لأبيه”يابه إجانا ضيوف ” ,تلك العبارة هي صافرة الإنذار بأن يهرب الجميع من شبح البرد الذي يستعمر حنايا ضلوعهم نحو الفراش الجماعي والتلحف بأي غطاءٍ يقي من سطوة البرد اللٸيم .
من مثلي يسمع کل شهر عن حمار أحلام الراتب الهزيل ,ومن يسمع وعود الأٓباء وخططهم الباٸسة کحوافز لأبناٸهم علی قبضة الراتب سيشتري لهم کذا وسيفعل کذا وسيجلب کذا ,رزنامة مواعيد صفراء مثقلة تتشبث بجدران الرطوبة الأکثر بٶساً حتی لم تعد تحتمل حدّ شفرة ليدسونها بين ثنايا وعودهم .
من مثلي تشبث البٶساء باسمه ومن ليس لهم قفا يضربون عليها بأن الجنرال الفلاني والناٸب العلنتاني والعين والوزير وکومة من الشخصيات البرجوازية علی قاٸمة صداقتي ,وأن رساٸلهم علی البريد الخاص لي هي مجرد قراٸتي لها ودزها لهٶلاء المسٶولين سوف تستقبل بالدمع الحار وبعبارة مارد مصباح علي بابا لبيك وسعديك .
من مثلي قد سمع عبارة أحد المتقاعدين المخلصين في إحدی التعاليل حين کظم علی سيجارته وذرف دمعةً حارة وقال ” بالطلاق إنه اللحمة ما خشت بيتي من عيد الضحية “.
من مثلي رأی تلك الأرملة التي خبأت کل ملامح الهم والوهم خلف خمارها وبنتها الصغری تمسك بذيل حجابها إذ تقف عند سيارة الخضرجي بالحارة وتمسك کل صنف وهي تقول “بکم هذا ,وهذا أکم سعره ” , وعندما يفجعها السعر تلوذ بالسيارة وتفتح محفظتها الخاوية إلا من کمشة معدن وورقة خضراء وتحاول الهروب من رغبات ابنتها الطفلة التي لم تعرف معجم الفقر والعوز ثم انصرفت الأم وهي تحمل کيس باذنجان فقط بنصف دينار .
وأنا أسمع تصريحات المسٶولين وسيناريوهات الاجتماعات والخطب الرنانة لمن سکبوا أموالهم قماشاً وخشب وحديد وحبال وسلالم علی أعمدة الکهرباء وقوارع الطرقات بماراثون لفت النظر والبذلات الثمينة وربطات العنق الأثمن وزرکشة السيارات الفارهة أعرف مدی حالة الانفصام التام ما بين الحاکم والمحکوم وأعرف أيضاً انسلاخ المشرع في سلطة التشريع الحالمة بالذات عن شعب بات ينشد من الخبز الفتات الفتات .
وأکثر من هذا أعرف وأبعد منه قد وصلت ,فطالما أبحرت نظراتي المتفحصة في محاجر العيون خلف عبرات الدمع المتشحة بما تبقی من کرامة الرجال وخلف تلك الدموع التي تناثرت علی لصمة الشماغ وانسدلت فوق الشاربين الأشهبين ,وأعرف کيف انحدر عقال المرعز عن هامةٍ عالية ذات صباح في محيط حاويةٍ تنزوي عن أنظار الناس والمارة ,وأعرف أن مرأة قدر الحجارة في عهد عمر الفاروق عادت لتطبخ الحصی بالماء حتی ينام الزوج الکهل ويغفوا الصبية علی حجره لصباحٍ رماديٍ جديدٍ بعيد !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى