الأردنيون والشعور بالمظلومية

#الأردنيون والشعور بالمظلومية

الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

أجالس كثيرا من الأردنيين في ديوانياتهم ومقاهييهم ومراكز عملهم وفي سهراتهم ومآتمهم وأفراحهم وجامعاتهم فكل يروي قصة أو “قصص” من الظلم والحيف الكبير الذي لحق به من قبل السلطة من أعلى هرمها الى أدناه. بعض هؤلاء ضباط #متقاعدون في الجيش، والأمن، والمخابرات العامة، والقضاء، والجامعات، ووزارات الخارجية والداخلية وغيرها. أما #الظلم الذي يقع بحق كثير من الأردنيين في المؤسسات المستقلة فحدث ولا حرج وكأن مصطلح مستقلة عني به من قبل المشرع إطلاق يد #المسؤولين في التنكيل في الموظفين والعاملين في مؤسساتنا “المستغلة” وليست المستقلة.

قصة الأردنيين مع الجور الظلم يرويها لك أي مواطن تجده ويثق بك ويطمئن الى أنك لست رجل عسس أو مخابرات يمكن أن تستخدم ما يقوله لك ضده وضد مصالحه يوما ما. استمع لهؤلاء المواطنين فإنه لديهم قصص مثيرة وأليمة كيف هضمت حقوقهم سواء كان عطاء رسي على مقاول أو متعهد محدد تواطئ معه مسئول معين، أو حق مهضوم في بعثة جامعية داخلية أو خارجية، أو ترفيع لموقع قيادي ، أو تعيين في وظيفة ذات امتيازات عالية ومعتبرة، او إحالة غير مبررة على التقاعد من أجل ترتيب أوضاع شخص معين ،أو مكافآت مالية مجزية لشخص لم يفعل شيئا ،أو افتئات على حقوق فكرية أو إنجاز لشخص معين، أو تلفيق مكيدة أو تهمة غير صحيحة لشخص، أو تشويه سمعة شخصية معينة نظرا لعدم إعطائها الثقة للحكومة، أو تجاوز على حقوق الناس في تعيينات الملحقين والسفراء في وزارة الخارجية ، أو تزوير الانتخابات النيابية لصالح مرشح سحيج من قسم “الألو” ، أو رؤساء وزراء يؤتى بهم من أجل الإصلاح ليكتشفوا أن أولي الأمر هم المعوق الرئيس للإصلاح، أو دعم حزب برداء إسلامي غير حقيقي نكاية بحزب آخر، أو مياومات مليونية لأولي الأمر عند سفره خارج البلاد في حين أن المواطن “يأخذ دينا ليسد به دينا آخر” وأمثلة أخرى لا يتسع المكان والمقام لذكرها. هذه القصص من الظلم وغيرها يمكن أن يرويها لك الآلاف من المواطنين ولكنهم أمام المسؤولين أو أجهزة الإعلام لا يملكون إلا كيل المديح الزائف للسلطة رغبة منهم في إنصاف بعيد المنال وإن حصل فهو يستغل من السلطة لتعظيم شأنها وإنسانيتها وعطفها على الناس المظلومين والبائسين دون التساؤل عن دور السلطة في التسبب في وقوع مثل هذا الظلم أصلا.

الظلم وعدم #المساواة هما آفتين كبيرتين مهلكتين للحرث والنسل ومفجرتين للثورات أكثر من الفقر والبطالة ومن يستعرض تاريخ الحركات السياسية الثورية والتطورات السياسية العنيفة في معظم دول العالم وخصوصا النامي منها يجد بأن الظلم وعدم المساواة والإجحاف بحق المواطنين والتجبر فيهم هي عوامل ووقود الثورات في هذه المجتمعات. المواطنون يقبلون بالفقر وربما يقبل الفقر بهم اذا شعر هؤلاء أنهم متساوون حتى في الفقر وحتى في القسوة وحتى في العوز والبطالة ولكنهم يصبحون قنابل موقوتة اذا شعروا بأن الظلم هو صديق الفقراء الذين يعيشون على هامش المجتمع وأن شرائح أخرى تتنعم بحقوق مزيفة وامتيازات وألقاب مصطنعة وأسماء هم اخترعوها ” جلالة ، فخامه ، باشا، بيك، عطوفة، دولة معالي سعادة”.

الظلم في الأردن وأي دولة أخرى هو ظلمات لا يمكن أن يتحول الى نور وأنوار حتى وإن استمرأها المظاليم المظلومين ،وحتى وإن استطاع ظلمتهم وجلاديهم أن يروضوهم ويغرسوا في أذهانهم أنهم أقل من الناس أو أنهم ينبغي أن يحمدوا الله على أنهم يعيشوا في الأردن وليس في سوريا أو دول تشهد عنفا وقتلا كثيرا. لن تستطيع مستشارية العشائر في الديوان الملكي ولا رئيس الديوان ولا الملك نفسه أن يحتووا الأردنيون بالعطف ،والهدايا، والأعطيات ،ورواتب الشيوخ، والبنزين المجاني للمسؤولين السابقين، ولا بالقصور المهداة الى من لا يستحقها، ولا بتقريب المنافقين المتزلفين الذي يجيدون الحديث عن الانتماء والإخلاص للوطن ولكنهم لا يمارسونه على الأرض. ينبغي أن يعي النظام وأولي الأمر أن الاستقرار يعتمد على العدل والإنصاف والابتعاد عن الجور والظلم والتعسف فقد اهتزت عروش كسرى وبابل قديما ونيكولاي شاوسيسكو، ومبارك، وزين العابدين بن علي ،والقذافي ،وعلي عبدالله صالح في الماضي القريب وسينهار عرش الأسد في المستقبل القريب فهل من دروس تستفاد وهل من يتعظ ؟ رحم الله الفاروق عمر ابن الخطاب الذي قال فيه أعداءه عندما وجوده مستغرقا في نومه تحت شجرة وقد وضع خرقة على وجهه دون حراسات أو أمن وقائي او دركي “عدلت فأمنت فنمت” فهل من مدكر؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى