افتتاح أسبوع الفيلم العربي.. اشتغالات سينمائية على إشكالية الواقع

عمان – ناجح حسن- احتفل في مقر الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بجبل عمان أول أمس السبت بافتتاح عروض أسبوع الفيلم العربي الذي تنظمه الهيئة على مدى الأسبوع الجاري.
تضمن الحفل الذي افتتحه وزير الثقافة جريس سماوي تكريم المخرج الأردني محمد عزيزية على مشواره الإبداعي الطويل في حقل الفنون السمعية البصرية والدراما العربية.
وأشار الوزير خلال الحفل الذي حضره السفيران اللبناني والمصري بعمّان والعديد من المهتمين إلى الدور الإبداعي الذي قام به عزيزية صاحب تلك الإنجازات الرفيعة في الدراما التلفزيونية العربية التي كرسته علما بارزا وطاقة راسخة في هذا المجال.
وبيّن مدير عام الهيئة جورج داوود أهمية إقامة هذا الأسبوع في عمان والذي سيعقد بشكل دوري لما يضيفه من قيم جمالية ومعرفية في فنون الإبداع السينمائي عربيا.

تكريم عزيزية
وثمـّن نقيب الفنانين الأردنيين حسين الخطيب التعاون بين النقابة والهيئة في أكثر من مناسبة، لافتا إلى تكريم المخرج عزيزية حيث تعتبر هذه الخطوة مؤشرا على الاهتمام بالفن الأردني وروّاده.
حقق عزيزية مجموعة من المسلسلات التلفزيونية التي استحوذت على إعجاب المتلقين في البلدان العربية لما تحمله من مضامين إنسانية ورؤى جمالية مبتكرة شارك فيها نخبة من ابرز نجوم الشاشة العربية عبر سنوات عمله بين عمان ودمشق والقاهرة خلال العقود الأربعة الأخيرة.
ولئن خاض عزيزية غمار صناعة الأفلام السينمائية مبكرا بفيلمه الروائي الطويل (الشحاذ) الذي أنتج لحساب التلفزيون الأردني العام 1971، الا انه اثر التوجه إلى إخراج المسلسلات التلفزيونية المتنوعة التي تتميز بأغلبيتها في الإنتاج الضخم المليئة بالمجاميع والتي تجري أحداثها في أكثر من حقبة زمنية والمستمدة من موروث الملاحم الإنسانية.

مدن ترانزيت
استهلت عروض الأسبوع بالفيلم الروائي الأردني الطويل (مدن ترانزيت) للمخرج محمد الحشكي، وهو العمل الذي أنجز بميزانية بسيطة ضمن برنامج التدريب في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام ، واضطلع بأداء أدواره الممثلون: صبا مبارك وأشرف فرح ومحمد القباني وشفيقة الطل.
ناقش الفيلم الذي فاز بجائزتين رفيعتين في مهرجان دبي السينمائي الدولي العام الماضي، مسألة قدوم امرأة أردنية من أميركا إلى عمان بعد انفصالها عن زوجها هناك، لتكتشف الكثير من التحولات التي أصابت بيئتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ثم لا تلبث أن تقع في حيرة بين خيار الاستقرار إلى جوار عائلتها أو العودة إلى العيش في المهجر.
سبق للمخرج الحشكي أن قدم مجموعة من الأفلام القصيرة مثل (العيش مؤقتا) 2004 ، و(فراشة) 2008 ، وعمل في أكثر من ورشة تدريبية لصناعة الأفلام القصيرة نظمتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام قبل أن تتاح له فرصة إنجاز فيلمه الروائي الأول (مدن ترانزيت).
وتشتمل العروض التي تغطي مساحة واسعة من المشهد السينمائي العربي ، مجموعة من أحدث الأفلام العربية حديثة الإنتاج والتي حققت حضورا نقديا واسعا ولاقت الإعجاب وأثارت الجدل في العديد من المهرجانات العربية والعالمية.

ستة سبعة ثمانية
من بين الأفلام المشاركة في الأسبوع: 678 للمصري محمد دياب، آخر ديسمبر للتونسي معتز كمون، الساحة للجزائري دحمان اوزيد، الدار الكبيرة للمغربي لطيف لحلو، ورصاصة طايشة للبناني جورج هاشم، جميعها تسرد قضايا وهموما فردية وجماعية في أكثر من بيئة اجتماعية تبدو فيها اشتغالات صانعيها على أساليب مبتكرة في اللغة السينمائية والفكرية.
سرد الفيلم المصري (ستة سبعة ثمانية) لمحمد دياب الذي عرض مساء أمس الأحد أحداثه في بوتقة من التفاصيل اليومية في حياة أفراد وجماعات وتحديدا شريحة الفتيات منهم خلال حراكهم المعتاد بين البيت ومراكز العمل، مبينا أجواء وحالات من صنوف المعاناة وقسوة العيش والتحرش، كل ذلك تبرزه عين الكاميرا من خلال تصوير تبدل السلوكيات والرؤى والمفاهيم لمجتمع يبدو وكأنه في طريقه إلى حافة الانهيار.
اختار مخرج الفيلم الحائز على جائزتين رفيعتين: الأولى في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير، والثانية في مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية بالمغرب، مجموعة من الشخصيات في تأدية ادوار صعبة عبر رحلتها اليومية في الشارع ووسائل النقل العام – اسم الفيلم مأخوذ من رقم الباص الذي تستقله شخصيته الرئيسية إلى مكان عملها – لعب تلك الأدوار كل من الممثلين: بشرى، نيللي كريم، باسم سمرة، ماجد الكدواني، وسوسن بدر واحمد الفيشاوي وسواهم في أدوار ثانوية لافتة.
نماذج عديدة تجسدت في الفيلم ببلاغة درامية وبصرية، بفعل براعة المخرج محمد دياب الآتي إلى عالم الإخراج السينمائي من حقل كتابة السيناريو، والذي نجح أيضا في التقاط تلك الحوادث الهامشية الناشئة عن حراك بيئته الاجتماعية وما ألقت عليها ظلال الحياة الاقتصادية والسياسية الصعبة من أسئلة حادة أوحت بنباهة صنـّاعه في التقاط التحولات الجديدة التي أصابت المجتمع المصري مؤخرا.
ناقش الفيلم بجرأة شديدة جوانب من آلام مجتمعه الكامنة في الكبت والفقر والحرمان والتفاوت الاجتماعي والعقبات التي تواجه حرية المرأة، دون أن ينسى تصوير ملامح لمبادرات عملت بشكل فردي وجماعي التصدي إلى تلك الظواهر، من بينها تلك التي عرقلت انطلاقة المرأة إلى هدفها المنشود في الحياة.
اتخذ المخرج دياب من أسلوبية سينمائية تقترب من منهجية تيارات السينما الواقعية في طرحه لموضوعه الذي يحتشد بمجاميع الناس في الشوارع ووسائل النقل العام، وكانت الكاميرا تلهث مع شخصياتها في محاولة اختصار الوقت والتقاط الأنفاس بين حين وآخر، شكلت وهي وسط جموع الناس العاديين، تحديا إضافيا للمخرج في القدرة على التحكم بإدارة ممثليه، أو في إمتاع المتلقي بتكوينات وزوايا تصويرية جذابة، أمام جلبة واكتظاظ أمكنة التصوير، على الرغم من قدرته في مراعاة تضمين الصور مثل هذا التدفق من الأحاسيس والمشاعر والانفعالات النفسية لشخصيات الفيلم المتعددة السمات والتفكير.

آخر ديسمبر
وازن الفيلم بين متطلبات السينما السائدة في صالات العرض التجارية ومفاهيم السينما المغايرة والتي تجنح إلى الابتكار والتجديد، لكنه للأسف وقع أحيانا في فخاخ الطرح المباشر واجتراح الحلول التي قد لا يتفق معها الكثير..
وضمن فعاليات الأسبوع، يعرض الساعة التاسعة والنصف مساء اليوم الاثنين في مقر الهيئة بجبل عمان القديم، الفيلم الروائي التونسي الطويل المعنون (آخر ديسمبر) للمخرج معتز كمون، الذي لاقى الإعجاب والجدل في عدد من المهرجانات العربية والأوروبية والإفريقية، لحساسية موضوعه الذي ينشد المساواة بين المرأة والرجل .

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى