لماذا انقلب القصر على الخصاونة في آخر لحظة وتغيّر المسار…؟؟…بقلم :روبرت ساتلوف

اتخذت السياسات الأردنية مسلكاً غير متوقع وغير معتاد عندما قدم رئيس الوزراء عون الخصاونة استقالته أثناء تواجده في زيارة رسمية إلى تركيا في السادس والعشرين من أبريل، وسرعان ما أعلن القصر الملكي عن خليفته وهو رئيس الوزراء السابق فايز الطراونة.

وقد كانت تلك الخطوة المفاجئة نهاية انحدار سريع بشكل لافت بالنسبة للخصاونة وتحول 180 درجة في مسار الجهود التي تبذلها الأردن في الآونة الأخيرة والرامية إلى منع حدوث اضطرابات على غرار ما حدث في “الربيع العربي” من خلال تنفيذ عمليات إصلاح تُدار بعناية.

وفي أكتوبر الماضي، كان الملك عبد الله قد طلب من الخصاونة -المحامي والفقيه القانوني- أن يترك منصبه كقاض في “محكمة العدل الدولية” ويعود إلى وطنه ليقود جهود الأردن الإصلاحية على الأصعدة التشريعية والسياسية والانتخابية.

ولأنه عُرف باسم “السيد نظيف” في البيئة السياسية التي تشوبها الفضائح والفساد، فإن الرجل الذي كان ذات مرة مستشاراً قانونياً لوفد الأردن للسلام كان يُنظر إليه بشكل واسع على أنه يحوز على ثقة الملك الكاملة في التعاطي مع مختلف قطاعات الرأي العام المحلي والمجتمع المدني بإشراكهم في حوار بشأن الإصلاح.

* التعاطي مع جماعة “الإخوان المسلمين”:

الجانب الأبرز من الاتصالات التي أجراها الخصاونة هو تواصله مع “جبهة العمل الإسلامي”، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين” في الأردن. وبالنظر إلى الصعود الإسلامي في مصر وغيرها من دول “الربيع العربي”، فإنه يتردد أن الخصاونة قد رأى ذلك باعتباره أولوية أولى لضمان أن تشارك “جبهة العمل الإسلامي” في الانتخابات المستقبلية، وبالتالي جرهم إلى المعترك السياسي بدلاً من مواجهة مقاطعة انتخابية وحركة معارضة كاسحة محتملة.

ولذا فلدى توليه منصب رئاسة الوزراء من اللواء المتقاعد معروف البخيت، دشن الخصاونة حواراً عميقاً مع «جبهة العمل الإسلامي» كان الهدف منه التوصل إلى اتفاق حول تشريع جديد يغطي تشكيل حزب سياسي وإجراء إصلاح انتخابي.

ومع هذا فقد كان ذلك عملاً محفوفاً بالمخاطر. ففي العرف السياسي الأردني يعني الانفتاح على “الإخوان المسلمين تمكين الأردنيين من ذوي الأصل الفلسطيني الذين تدافعوا إلى هذه الحركة في العقود الأخيرة باعتبارها المنفذ الوحيد المقبول للتعبير والنشاط السياسي.

وتقليدياً كانت لـلإخوان علاقات غير تصادمية مع النظام لكن قيادتهم التي يهيمن عليها أهل الضفة الشرقية كانت تفقد السلطة والنفوذ لصالح ما يسميه الأهالي جناح “حماس” في المنظمة، حيث يُنظر إلى قيادته الأصغر سناً والأكثر حزماً والفلسطينية إلى حد كبير على أنها أكثر استعداداً لمعارضة القصر.

ولذا، فإن انفتاح الخصاونة على الذراع السياسي للإخوان قد استُقبل بسخرية بل وغضب من جانب التقليديين الذين كانوا يخشون من أن النظام الانتخابي “الأكثر عدلاً” من شأنه أن يقوي الفلسطينيين في الأردن على حساب أهل الضفة الشرقية.

ومما يعقد الأمور بصورة أكثر، أن فترة خدمة الخصاونة قد شهدت أيضاً نمو حركات الاحتجاج السياسي في مدن وبلدات الضفة الشرقية التي تنعم في العادة بالهدوء والتي لطالما تم اعتبارها حجر الأساس الذي يعتمد عليه النظام – وهي مناطق مثل الطفيلة والكرك ومادبا ومعان.

وبالتأكيد لم يحدث قط أن تحولت تلك الاحتجاجات من مطالب محلية بزيادة الإنفاق الحكومي وزيادة الإعانات الاجتماعية إلى تحد وطني حقيقي للنظام.

ومع ذلك فإن صورة المئات من الرجال والنساء من أكثر أفراد المملكة ولاء وهم يهتفون ضد الحكومة زادت من شبح الانشقاق العميق في الائتلاف الملكي في نفس الوقت الذي يحتاج فيه القصر إلى وحدة وطنية للتعامل مع الإسلاميين في الداخل.

وقد ظلت عمان قلقة من بيئة إقليمية شديدة الاضطراب حولها، بما في ذلك ظهور حركة إسلامية شديدة الجرأة من حيث الطموح في مصر والجمود الدبلوماسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين والانزلاق إلى استبداد شيعي في العراق، وفي سوريا حيث المزيج المروع من الفظائع الجماعية والقمع والعنف الطائفي بل وربما تأصل الجهادية.

* تغيير المسار:

وحتى أسابيع قليلة مضت بدت القيادة الأردنية مستعدة للتغلب على هذا الخطر المفترض من خلال السعي إلى الوصول إلى تسوية مؤقتة مع الإسلاميين المحليين ربما على حساب إغضاب بعض مناصريها التقليديين.

ثم فجأة تغير كل شيء. فبدلاً من إغراء الإسلاميين بقانون انتخابي يستوعب كبار قيادات حزبهم في البرلمان، اقترحت الحكومة قانوناً من شأنه أن يخصص فقط خمسة عشر مقعداً للقوائم الحزبية في برلمان موسع مكون من 138 مقعداً ووضع حد أقصى للتمثيل الحزبي الرسمي مكوّن من خمسة مقاعد فقط. (ولا يزال بوسع الإسلاميين الترشح على مقاعد فردية كما كان في الماضي).

بل وقام البرلمان بشكل غير متوقع أيضاً بتمرير قانون يحظر جميع الأحزاب القائمة على أساس ديني مما استهدف عملياً “جبهة العمل الإسلامي”، ذلك الحزب بالذات الذي كان من المفترض أن تكن له الحكومة المودة والمعروف. وفي الوقت نفسه تقريباً اتخذت وزارة الداخلية الأردنية خطوات لتجريد بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية من جنسيتهم الأردنية.

وأخيراً جاء قرار القصر -في ظل اعتراض الخصاونة- لتمديد فترة ولاية البرلمان الحالي حتى يتسنى له الانتهاء من تشريع القانون الجديد مما دفع رئيس الوزراء إلى الاستقالة.

وبالنظر إلى هذه الأمور معاً، تشير هذه التطورات إلى أن الملك عبد الله قد قرر في نهاية المطاف تنفيذ مقولة والده في الحكم وهي “تعامل مع مشاكل اليوم اليوم ومع مشاكل الغد في الغد”.

وفي هذه الحالة شعر القصر أن الأمر الأكثر إلحاحاً هو إزالة السخط بين مناصريه الرئيسيين من أهل الضفة الشرقية بدلاً من بدء رقصة خطرة مع الإسلاميين الذي هم أيضاً فلسطينيون.

وقد جاءت مساندة المصادر التقليدية للسلطة الهاشمية أيضاً كمحصلة سياسية منطقية للتقييمات الإستراتيجية المرجحة في قضيتين خطيرتين أخريين:

أولهما أن التوقعات بالزوال السريع لحكم بشار الأسد في سوريا لم يكن لها أساس على أرض الواقع، مما يعني أن الأردن بحاجة إلى الاستعداد لمعركة طويلة وطاحنة داخل جارته الشمالية وهو ما سوف ينتج عنه على الأرجح محصلة أكثر تطرفاً مما كانت تشير إليه التوقعات في البداية.

وثانيهما أن عجز الدبلوماسية الإسرائيلية الفلسطينية سيستمر على الأرجح، مما يعني أن عمان يجب أن تضعف جهود أي طرف يسعى إلى “أردنة” هذا الصراع.

الكاتب : روبرت ساتلوف / المدير التنفيذي لمعهد واشنطن ومؤلف كتابين عن السياسة الأردنية

وطن نيوز

ابو يحيى….كل ساعة والثانية تحليل شكل …وراي شكل ثاني…وهينا بنتفرّج….!!

ف . ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى