اشهار رواية “الفردوس المحرم” للروائي يحيى القيسي في شومان

استضاف منتدى عبدالحميد شومان الثقافي حفل إشهار رواية “الفردوس المحرم” للروائي يحيى العيسي أدارها معالي الشاعر جريس سماوي وقد قدمت الراوية د. شهلا العجيلي، أستاذة الأدب العربي الحديث والدراسات الثقافية والأستاذ الدكتور أمين يوسف عودة قراءة نقدية عميقة، وشارك المؤلف بشهادة عن الرواية.

وفي بداية الحفل قال معالي الشاعر جريس سماوي:” نكّرس هذه الأمسية لإشهار عمل روائي أردني مهم ألا وهو رواية “الفردوس المحرم” للكاتب والروائي الأردني يحيى القيسي. وسوف يتحدث عن الكتاب ضيفانا الناقدان الكبيران د. شهلا العجيلي ود. أمين عودة.

وأضاف:” إن قراءة الكتاب يشبه رمية نَرد إذ أنك تدخل عوالم الكتاب ودواخله وبواطنه وتعيش مع صفحات الكتاب فيختلط عليك الواقع بالحلم والفانتازيا، وأحياناً يوفق القارئ منا بكتاب يفتح في دواخل ذاته آفاقاُ ودروباً معرفية جديدة وفي أحيان أخرى يكون الكتاب مخيباً للظن فيصاب القارئ باكتئاب يستمر زمناً قليلاً أو لأقل ما يحدث معي على الأقل، أقول هذا وأنا فرح باكتشافي بقراءة الصديق والروائي يحيى القيسي في عمله الروائي الأخير “الفردوس المحرم” وعمله السابق “أبناء السماء”. إذ منذ بدأ القيسي نشر مجموعاته من القصص القصيرة مثل “رغبات مشروخة” والولوج في الزمن الماء” وغيرها وحتى هذا العمل الأخير، وهو يحرص على صقل نصّه ورؤاه الإبداعية، فكان النقاد يشيرون باحترام إلى تجربته وكتاباته. وما دمنا نتحدث عن النقد وأصحابه وبينا بعضهم، فأنني أرى أن تجربة كتجربة يحيى القيسي لم تدرس الدراسة الحقة الجديرة بها بعد بل لعلي أجزم أن الإبداع الأردني برمته من شعر وقصص ورواية لم يلق الاهتمام الذي يستحق”.

33333333333333333333

وفي مستهل شهادتها قالت د. شهلا العجيلي:” نجتمع اليوم لنحتفل بإطلاق رواية الفردوس المحرم للكاتب والإعلامي يحيى القيسي. نستنطق هذا النص، الذي لن نشعر معه بالألفة، ولذا نصنفه في إطار “الغريب” أو “غير المألوف” والذي هو شكل من أشكال “الجميل”.

وأضافت:” ثمة خط بسيط ملتبس بين العلم القائم على التجربة، وبين الميتافيزيقيا القائمة على لاتأمل، وما يربطهما هو الخيال، الذي يتجلى بالغن، ومثاله هنا هذا النص الروائي. لعل ما يفعله النص هو إحياء الميتافيزيقيا التي سأسمها بالقريبة، أي غير المغرقة في بعدها عن العلم التجريبي، هذا يمنعها من أن تفقد سحرها أو تغرق في غيبياتها. ثمة في النص إذن محاولة لإيجاد صيفة توافقية بين العلم، والدين، لدى بعض الشخصيات مثل شخصية الدكتور جمال، وبين الذات العربية التقليدية وفلسفة الحداقة لدى شخصيات أخرى مثل يحيى وأمل، تحاكي حركة الشخصيات داخل النص مفهوم ميكانيكياً الكم الحداثي القائم على الشك وعدم اليقي، وسقوط الحتميات، إذ لا بد هنا من التلقي والكتابةالتي يقترفها، يحيى الراوي أو السارد، من التزام الشرط الرئيس الذي يؤكد عليه بوصفه شخصية روائية، وهو التحرر من الأفكار المسبقة، وغير القابلة للنقاش والمسلمات.

وتابعت:” هذه الرواية ليست تقليدية، ولا تولي أهمية للحكاية، لكن يمكن أن نقول ثمة حكايتان متوازيتان، تتضمنان فكرة البحث: البحث عن دفائن أثرية، يوازيها البحث عما يسكن حيرة البطل، والمفترض أين يكون فردوساً ما، لكننا لا نصل إليه بسبب المعوقات البشرية والأخروية، لكن هذا البحث يكشف لنا عن الطبائع، فالباحث أو الراوي، أو البطل، الذي يبدو ضعيفاً، وغير فاعل، ومستلباً، يكشف باستلابه عن القوى المحيطة بنا، القوى التي لا نراها، قوى الجذب الكونية، وقوى النبذ الكونية التي تجعل العالم ثابتاً، فيصير الفردوس محرماً”.

وأشارت إلى أن النص يتعامل مع فكرة الأنوثة بطريقة خلافية لطريقة المتصوفة الذي يتخذون من المرأة معبراً للإتحاد بذات عليا، أو مرآة لقلوبهم، هي طريق أقرب إى أولئك اليائسين، حيث المرأة تذوي، والتأنيث لا يعول عليه، بل يصير عائقاً في سبيل الوصول إلى الفردوس.

IMG_8309

من جهته قدم الأستاذ الدكتور أمين يوسف عودة قائلاً:” هذه هي الرواية الثالثة بعد روايتين سابقتين ليحيى القيسي، باب الحيرة (2006)، والثانية: أبناء السماء (2010)، والثالثة، هذه التي بين أيدينا: الفردوس المحرم (2016), ومن المبين أن الرواية الثالثة تشكل امتدادا لسابقتها أبناء السماء، وفي الوقت ذاته تمثل حلقة سردية موازية لها، لأن الثيمات الغامضة أو الماورائية في كلتا الروايتين متقاربة ومتقاطعة، ولكن مع تنوع في مسارات الرؤية السردية والشخصيات والأمكنة والأزمنة. وثمة رابط آخر وثيق بين الروايتين، وهو رابط سردي يتجلى في توظيف الميتاقص في رواية الفردوس المحرم، وهو نمط من أنماط القص الذي يسترعى الانتباه إلى نفسه بشكل واع ومقصود على أنه صنعة، لكي يثير التساؤل حول العلاقة بين القص والواقع. وقد وظف هذا الأسلوب السردي غير مرة في الرواية، وبأشكل متباينة، منها حضور بعض الشخصيات المشاركة والساردة في الرواية السابعة “أبناء السماء” وتحوّلهم في مستوى من مستويات اٌلإيقاع السردي في الرواية الحالية: الفردوس المحرم إلى شخصيات من لح ودم، تطارد السارد الرئيس وتفرض وجودها في محيطه، وتشاركه في الحوارات وبناء الأحداث، على حين تعلو الدهشة والرعب وجه السارد الرئيس الذي يتماهى مع شخصية المؤلف في الميتاقص، ويستغرب كيف لهذه الشخصيات الورقية أن تستحيل إلى شخصيات حقيقية:.

واكمل حديثه قائلاً:” تتكون الرواية من ثلاثين مشهداً سردياً، صيغت أغلب عنواناتها صياغة استعارية ذات توترات شعرية ملحوظة، بعضها يلمح إلماحاً إلى موضوعه، وبعضها الأخر يفصح إفصاحاً. أما المشاهد الردية فبنيت وفق خطة محكمة تتغيا إثارة عنصر التشويق في المتلقي، ويبدو أن يحيى القيسي، لم يكتف بالإثارة التي تنطوي عليها طبيعة الثيمات الماورائية، فأراد أن يعززها بإثارة نابعة من عنصر بنائي شكلاني، فأخذ يوقف التدفق السردي في كل مشهد عند نقطة معينة، ثم ينتقل إلى مشهد آخر ويوقف السرد، وهكذا دواليك، ثم يعود إلى استكمال مسار المشهد السابق في مشهد جديد دون الوصول إلى منتهاه، وهكذا يفعل في سائر المشاهد، حتى تستوفي الموضوعات أو الثيمات غاياتها. ومثل هذا الأسلوب يتداخل مع أسلوب التقطيع المشهدي المعمول به في الأفلام السينمائية”.

وحول من يسر الرواية وكيف قال:” ثمّ مجموعة من الساردين المشاركين، يبلغ عددهم في الحد الأدنى ثمانية، ينهضون بعبء تشكيل الخاطب السردي وبناء وجهات النظر فيه، كلّ في موقعه وزاوية رؤيته، وهذا يعني أن رواية الفردوس المحرم رواية متعددة الأصوات، تنأى بنفسها عن تذويب الرؤى في رؤية واحدة أو منظور واحد يتبناه راوٍ متسلّط على كل صغيرة وكبيرة في السرد. وكذلك يقال في صيغ السرد وأساليبه التي جاءت متعددة الموارد، فمرة يتم السرد بضمير الأنا، وتارة يكون بضمير المفرد الغائب، وأخرى ثالثة بضمير المخاطب.

وأضاف:” ثمة قضايا أخرى مهمة في الرواية، تندرج في مبحث الأساليب السردية، وعلى رأسها أسلوب الميتاقص الذي وظف في تصوير التداخل بين الواقع والمتخيل، الذي هو أمر حاصل أصلاً في مستوى من مستويات الوجود الماورائي، وله تمثلات رمزية في الواقع المشهود في الأحلام، حيث يعيش الحالم أحداثاً تبدو له واقعية، وتنتابه مشاعر حقيقية، كالخوف أو الألم أو الفرح، بل قد يحدث تداخل أعمق بين الواقعي والمتخيل في بعض الرؤى الصوفية التي تصف على كونها من الكرامات”.

وأكد أن هناك عناصر سردية بنائية أخرى جديرة بالبحث والتأويل، كعنصري الزمان والمكان اللذين تحيّنا في فضاء الخطاب السردي على نحو مقيد أحياناً، ومطلق أحياناً أخرى، وكلغة الصوفية التي أضفت مسحة شعرية مضاعفة على السرد، وكالنصوص الموازية أو عتبات الرواية، وصيغ السرد، ولا سيما صيغة السرد بضمير المخاطب، ومسائل التبئير، وسوى ذلك من قضايا تتأسس عليها السرديات والتحليل السردي.

واختتم شهادته بالقول:” أن هذه الرواية تحاول استشكال قضايا لطالما تحدّت صرامة المنطق العلمي والعقلي، وكسرت قوانينهما الصلبة الصارمة. وهي قضايا تعلن عن نفسها بطرائق شتى، تفصح مرّة، وتلمح أخرى. ولعل الرسالة المحمولة في خطاب هذه الروية السرديّ، تومئ، بل تصرح احياناً، إلى أننا نعيش في بحر من الأوهام المعرفية التي صنعناها بأنفسنا وعقولنا، وسجنا وعينا بين قضبانها، وصارت هي متكآتنا في تكوين معتقداتنا وأحكامنا اليقينية، وفي تفسير الحياة والعلاقات الإنسانية فما بيننا وبين الأشياء من حولنا، وغاب عنّا الأصل النوارنيّ الأصيل الذي كتفته يد الحق تعالي، وغزلت خيوطه في شكل مادة مقيدة بالأبعاد المنظورة والأٌقيسة الحسية، وأوجدت منه الأكوان التي منها الإنسان، إذن، هي دعوة لولوج عالم الأنوار، وتحفيز لاختبار وعيٍ مختلف، يخلخل مسلّمات الوعي المؤتلف”.

هذا وقال الروائي يحيى القيسي أن الرواية تثير بما فيها من غريب وعجيب القلق للقارئ والمؤلف معاً، فهي تسعى إلى زلزلة الطمأنينة التي تبدو راسخة في مجتمعاتنا تجاه العديد من القضايا، وتواجه التضليل الكبير الذي حدث للبشر، والأكاذيب التي يقتاتونها صباحاً ومساءً، وهي أيضاً من جهة أخرى تناقش رواية سبقتها وتحاول تصحيح مسارها، تكشف الرواية الكثير من الأسرار، وتضيء الكثير من الأنوار، لاسيما في هذا الزمن المعتم ، وقد يخيل للكثيرين أن هذه الرواية تحتفي بعوالم وشخصيات خيالية، لكنها تعيش بيننا دون أن نستوعبها.

ومن الجدير بالذكر أن مؤسسة عبد الحميد شومان أسسها ويمولها البنك العربي منذ عام 1978 وأطلق عليها اسم مؤسس البنك، لتكون مؤسسة لا تهدف لتحقيق الربح تعنى بالاستثمار في الإبداع المعرفي والثقافي والاجتماعي للمساهمة في نهوض المجتمعات في الوطن العربي من خلال الفكر القيادي، الأدب والفنون، والتشغيل والإبداع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى