مَن شـابـه جَـدَّه فـما ظـَلـَمَ…! / د . ناصر نايف البزور

مَن شـابـه جَـدَّه فـما ظـَلـَمَ…!
أعجبني كلامُ طفلٍ صغيرٍ بالأمس و هو يتحدَّثُ بإعجاب عن جَدِّه الرائع، و هو أحد رؤساء الوزراء السابقين في وطننا العزيز! و قد ختَم الطفل حديثه قائلاً بأنَّه مُهتَم بالسياسة و أنَّه يتمنّى أن يُصبِحَ كَجَدِّه في المستقبل! و أنا أدعو الله أن يجعلَ منكَ إنساناً ناجحاً وعظيما يا صغيري؛ لكنَّني أرجو الله أن لا تكون رئيس وزراء عندما يكبُرُ أولادي؛ فقد سَئمنا حياة السخرة و الإقطاع!

و كما لا يخفى على أحَد، فالنظام في وطننا نظامٌ ملكيٌ و راثي، وهذا ما نَصَّ عليه الدستور الأردني؛ و هو عامل و حدة لهذا الشعب؛ أمّا أن يتحوَّل النظام إلى رئاسي وراثي و وزاري وراثي؛ و إداري وراثي ( ابن رئيس الوزراء رئيس وزراء، و ابن الوزير وزير و ابن المدير مدير) فهذا يعني أنْ يُصبح فقري وراثي، و حرّاثي وراثي، و شحَّادي و راثي أيضاً (أي ابن الفقير فقير، و ابن الحرّاث حَرّاث و ابن الشحاد شحّاد)!

و من المعلوم أنَّ النظام الإقطاعي ونظام السخرة من أقدَم أنظمة العبودية التي شهدتها البشرية في العصور القديمة و استمرّت حتّى مطلع القرن العشرين! و هي مِن أبشع صور القمع و الظلم و التحكُّم بمصائر الناس و إنزالِهِم منازل الحيوانات المُدَجَّنة! ففي تلك الأنظمة هناك سَيِّد مسؤول عن مساحة جغرافية واسعة تتناسب مع منصبه و لقبه و نفوذه! و هو الحاكم و المُتَحكِّم بكُل صغيرة و كبيرة على تلك الأرض؛ فهو يُطعِمُ مَن يشاء و كيفما يشاء و بقدر ما يشاء؛ فهو الذي يُحيي و يُميت بمنطق النمرود مع إبراهيم!

و مع مطلع القرن العشرين و مع انهيار الأنظمة الاستعمارية التي كانت تُشَجِّعُ الإقطاع لأنَّه يُسَهِّلُ بسط هيمنتها، فقد تفاءلت الشعوب المقهورة و التي رَزَحَت تحت نـيـر المستعمر المُجرم و الإقطاعي الظالم حِقَباً طويلة؛ و شهِدَ العالم حركات التحرّر في أنحاء المعمورة! و رُبَّما يُدرِكَ الجميع أنَّ الاستعمار “الاستخراب” في كثيرٍ من دول العالم التي ظنَّت أنَّها تحرَّرت لم تتحَرَّر بالفعل! فقد غادر المستعمر و ترك خلفه وكلاء يُديرون مصالحهم!

و مع مرور الزمن أصبحت هذه الوكالات تُدار بمنطق الإقطاع في القرون الوسطى! فالوزير يُوَرِّثُ المنصب لأبنائه و أحفاده من بعده و كذا يفعل رئيس الوزراء! لذلك فقد رأينا في بلادنا العربية “الثلاثية في التوريث” الوزاري بما يُحاكي ما يُسَمّى بالسلالة الذهبية في رواية الحديث! فأصبحَت الشعوب تشعرُ كأنَّها قطعان من الأغنام يورِّثها الجد المالك للمزرعة للابن و من ثمّ للحفيد، فحفيد الحفيد، و هكذا دواليك! فيما تنتظر الشعوب الرحمة من السيِّد الذي لا يُطعمها سوى القليل، وله الحقُّ ببيعها، و حلبِها، و جَزِّ صوفها بل و قتلها والانتفاع بلحمها!

و منطق التوريث هذا قد ينطبق على بعض رؤساء الوزراء الأردنيين السابقين! فالجد حمدان و الابن محمّد و الحفيد حمدان، وكذلك سيكون ابن الحفيد محمّد و حفيد الحفيد حمدان؛ و كُلُّهُم كانوا و سيكونون رؤساء وزراء بفضل المعطي المنّان: و بين محَمَّد و حمدان ضاعت الشعوب و الأوطان!!!! واللهُ أعْلَمُ وأحْكَم…!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى