اتفاقية التعاون الدفاعي الأردنية الأمريكية

اتفاقية التعاون الدفاعي الأردنية الأمريكية
موسى العدوان


تُعقد اتفاقيات عسكرية أو مدنية عادة بين الدول، سواء كانت متكافئة أو غير متكافئة من حيث مكانتها وقدراتها المختلفة. ولكن في مثل هذه الاتفاقيات، يُراعى في نصوصها عادة المحافظة على سيادة وأمن كل دولة، إن كانت الاتفاقية برضا الطرفين. ولكن إذا كانت الاتفاقية تمثل تسلط القوي على الضعيف، فإنها تصبح اتفاقية إذعان، وحينها سيفرض القوي شروطه مهما كانت مجحفة على الضعيف، والتي قد تنتقص من سيادته، ولا سبيل أمامه إلاّ الرضوخ لتلك الشروط والتوقيع عليها.
ومن الغريب أن اتفاقية التعاون الدفاعي الأردنية الأمريكية تأتي متزامنة مع مئوية الدولة، وتذكرنا بتوقيع اتفاقية فرساي ، بين الحلفاء ودول المركز قبل ما يزيد على مئة عام. حيث فرضت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، شروطا قاسية على ألمانيا بشكل خاص، بحجة تجنب إشعال حرب عالمية ثانية. ولكنها فعليا كانت هي السبب الرئيسي، في إشعال شرارة الحرب العالمية الثانية، بنتائجها المدمرة.
وقبل الدخول في الموضوع دعونا نعود لقراءة نصين من نصوص الدستور الأردني، يتعلقان بهذا الموضوع. ففي المادة الأولى من الدستور الأردني : ” المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه “. ولهذا يفترض بأي اتفاقية تُعقد مع طرف آخر، أن تحافظ على سيادة الدولة الأردنية وعدم التنازل ولو مؤقتا عن أي جزء من أراضيه.
وفي المادة 33 نص الدستور على أن : ” الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقيات. المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة، شيئا من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، لا تكون نافذة إلاّ إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرّية في أي معاهدة أو اتفاق ما، مناقضة للشروط العلنية “.
وبناء على ذلك اسمحوا لي أن أستعرض أهم المواد، الواردة في هذه الاتفاقية بصورة مختصرة، لنعرف إن كانت تتفق مع ما جاء في الدستور أم تناقضه ؟ وهل تخرق السيادة الأردنية أم تحافظ عليها ؟ وهل هي بصورة عامة، في مصلحة الأردن – كما يدعي بعض المسئولين الأردنيين – أم أنها في غير مصلحة الأردن الوطنية ؟ ولنبدأ ببعض المواد الهامة في هذه الاتفاقية :

  1. المادة ( 3 ) من الاتفاقية تجيز تخصيص مرافق ومناطق من الأراضي الأردنية، للاستخدام الحصري من قبل الولايات المتحدة بدون إيجار، ولقوات الولايات المتحدة التحكم في الدخول إلى تلك المرافق والمناطق المتفق عليها.
  2. المادة ( 4 ) يجوز لقوات الولايات المتحدة، أن تقوم بعمليات النقل والتمركز المسبق والتخزين للمعدات والإمدادات والمواد الدفاعية، في المرافق والمناطق المتفق عليها، وهي المخصصة للاستخدام الحصري لقوات الولايات المتحدة، ولا تحتاج هذه العمليات لموافقة الطرف الأردني، ولكن يتم إخطار القوات المسلحة الأردنية بالجدول الزمني، لوصول تلك المواد مسبقا.
    ويكون باستطاعة متعاقدي الولايات المتحدة، الوصول إلى مرافق التخزين واستخدامها بدون عوائق. ويكون باستطاعة الطائرات والمركبات والسفن التي تقوم قوات الولايات المتحدة بتشغيلها أو يتم تشغيلها لصالحها، الوصول إلى المطارات الجوية والموانئ البحرية في الأراضي الأردنية وغيرها من الأماكن.
  3. المادة ( 6 ) على الأردن أن يقوم بإجراءات، تضمن حماية وسلامة وأمن أفراد الولايات المتحدة، ومتعاقدي الولايات المتحدة، وحماية أمن ممتلكات ومعلومات الولايات المتحدة الرسمية. ويقرّ الأردن بالحقّ والالتزام المتأصلين للقادة العسكريين للولايات المتحدة، في ضمان أمن وسلامة الأفراد والمعدات الخاضعين لإشرافهم. كما أن للقادة العسكريين للولايات المتحدة حق متأصل في الدفاع عن النفس، ويجوز لهم الرد حسب الضرورة على أي تهديد أمني وشيك.
  4. المادة ( 7 ) على الأردن السماح لقوات وأفراد الولايات المتحدة، بالدخول إلى الأراضي الأردنية والخروج منها والتنقل فيها بحرية، ولا يحق للأردن أن يطلب منهم جوازات سفر أو تأشيرات، للدخول إلى الأراضي الأردنية والخروج منها، بالنسبة للأفراد العسكريين والمدنيين، الذين يحملون بطاقات تعريف بالهوية الصادرة من وزارة الدفاع الأمريكية، مع أوامر حركة جماعية أو سفر فردية. ويتم إعفاء أفراد الولايات المتحدة، من جميع ضوابط الهجرة والنزوح الأخرى داخل الأراضي الأردنية، بما في ذلك دفع الضرائب أو الجمارك أو رسوم يتم تقاضيها، عند نقاط الدخول إلى الأراضي الأردنية أو الخروج منها.
  5. المادة ( 8 ) على الأردن أن يسمح للطائرات والمركبات والسفن، التي يتم تشغيلها بواسطة قوات الولايات المتحدة أو بالنيابة عنها، الدخول في الأراضي الأردنية والمياه الإقليمية الأردنية والخروج منها والتنقل بحرية فيها . . . وتكون تلك الطائرات والمركبات والسفن،غير خاضعة لعمليات الصعود والتفتيش بدون موافقة الولايات المتحدة.
    لا تخضع الطائرات والمركبات والسفن، التي يتم تشغيلها بواسطة قوات الولايات المتحدة أو بالنيابة عنها، لدفع رسوم الهبوط أو الرصيف أو رسوم الموانئ أو الرسوم الإلزامية للإرشاد أو الملاحة أو التحليق، أو رسوم العبور أو رسوم استخدام أخرى بما في ذلك الإنارة ومستحقات الموانئ، التي يفرضها الأردن أو أجهزته أو أي من دوائره الفرعية . . .
  6. المادة ( 13 ) لا يحق للقضاء والادعاء العام الأردني، التحقيق أو التعامل مع أية حالة وفاة، لأي فرد من أفراد الولايات المتحدة والتصرف فيها. ويكون لقوات الأمم المتحدة الحق الحصري وفقا للقوانين واللوائح الأمريكية المعمول بها بإجراءات التشريح، حسبما قد يكون مطلوبا لأسباب طبية أو لأغراض التحقيق الجنائي.
    وفي الحالات التي يشتبه فيها أن الوفاة تسبب فيها شخص يخضع للاختصاص القضائي الجنائي الأردني، يجوز أن يقوم طبيب شرعي أردني أو مدعي عام أردني عند الطلب، بحضور وملاحظة إجراءات التشريح الذي تقوم به الولايات المتحدة في الأراضي الأردنية . . .
    هذه هي أهم مواد ” اتفاقية التعاون الدفاعي الأردنية الأمريكية ” العظيمة. وهنا أتساءل : هل هذه فعلا اتفاقية تعاون بين بلدين يدعيان أنهما صديقان منذ خمسينات القرن الماضي ؟ أم هي اتفاقية إذعان جائرة على الأردن، وتفرض علينا شروطا استعمارية مجحفة، تستبيح أرضنا وسماءنا وماءنا، بكل ما في الكلمة من معنى، ولمدة 15 عاما قادمة ؟
    فلماذا الرضوخ لهذه الشروط التعسفية؟ هل نحن دولة مهزومة في حرب جديدة ؟ أم أننا دولة خارجة على القوانين والأعراف الدولية ؟ كيف نقبل بهذه الاتفاقية التي لم يصادق عليها مجلس الأمة كما جاء في نص الدستور ؟ وهل يُعقل أن تُستباح السيادة الأردنية بهذه الجلافة وعدم احترام للشعب الأردني ؟
    لقد خلت الاتفاقية – مع الأسف – من مادة هامة تنص على ما يلي : يحق لقوات الولايات المتحدة ودون اعتراض من السلطات الأردنية، أن تنقل الشعب الأردني من أرضه، وإسكانه في الربع الخالي من أراضي المملكة العربية السعودية نظرا لاتساعها وخلوها من السكان.
    أعتقد أن من وقع على هذه الاتفاقية من الجانب الأردني، قد ارتكب خطأ كبيرا بحق الأردن، إذ بعد أن طردنا الاستعمار عام 1956 في عهد الملك حسين ، نعود لنكبّل أيدينا بإرادتنا الحرة، بشروط استعمارية مجحفة ومخجلة.
    لو كُتبَ للملك حسين باني نهضة الأردن، أن يعود للحياة ويرى حالة الأردن هذه الأيام، وكيف قوضنا جميع مقومات الدولة، التي حرص على إنجازها طيلة نصف القرن الماضي، وطرد الاستعمار من أرضنا المقدسة في عام 1956، إلاّ أننا استوردنا الاستعمار مجددا هذا اليوم ليتحكم في رقابنا، لفضّل الحسين الموت على الحياة . . !
    التاريخ : 2 / 4 / 2021

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى